الطباع على حد (واحد) والتكليف على منهاج لا يختلف ولذلك قال تعالى (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُ)(١) الآية. ولكن الذى يمكن أن يقال هو : وما مثله هذا حتى نأتى بسورة من ذلك المثل؟ وعنه يجيب صاحب الكشاف بأن «معناه فأتوا بسورة مما هو على صفته في البيان الغريب وعلو الطبقة في حسن النظم» (٢).
أو فأتوا : بسورة من بشر أتى من مثله لا يحسن الخط ولا الكتابة ولا يدرى الكتب وهذا قول من اعتبر الضمير في مثله عائد على محمد عبد الله ورسوله.
ولكن إذا كان التحدى بالقرآن قد وقع. ألم تقع منهم المعارضة؟
ادعى قوم أن ابن المقفع عارض القرآن غير أنه لا يوجد لابن المقفع كتاب يدعى مدع أنه عارض فيه القرآن بل يزعمون أنه اشتغل بذلك مدة ثم مزق ما جمع واستحيا لنفسه من إظهاره. فإن كان كذلك فقد أصاب وأبصر القصد (٣). بيد أنه قيل إنهم يجوز أن يكونوا قد عارضوه ، ولمصلحة الدين والحفاظ عليه لم تنقل المعارضة؟
لقد أفرد القاضى عبد الجبار ـ المعتزلى ـ فصلا للإجابة على هذا السؤال ، بعنوان «فى بيان الدلالة على أنهم لم يعارضوه عليهالسلام لتعذر المعارضة» قال فيه إنهم لو «تكلفوا المعارضة وبلغوا النهاية لا يزيدون على من تقدم من طبقات الشعراء ، لأن مزية شعرهم وخطبهم على من كان في زمنه «صلىاللهعليهوسلم» ، معروفة في الجملة فكان يجب أن يحتج بذلك الجم الغفير ، وإن تواطأت الجماعة اليسيرة على ترك المعارضة أو إخفائها لأن هذا الاحتجاج أسهل من إيراد المعارضة وأقوى في بطلان أمره «صلىاللهعليهوسلم» لأنه لا فرق بين أن يبينوا أن الذى جاء من القرآن معتاد بذكر مثله فيما تقدم أو بإيراد مثله في الوقت ، وبعد فإنا لا نجوز على الجمع اليسير ما ظنة السائل على كل حال لأنه من التنافس الشديد والتقريع العظيم وتحرك الطباع ودخول الحمية والأنفة وبطلان الرئاسة والأحوال المعتادة والدخول تحت المذلّة لا يجوز في كثير من الأحوال على الواحد أن يسكت عن الأمر الذى يزيل به عن نفسه الوصمة والعار والأنفة وكيف على الجماعة القليلة أو الكثيرة» (٤). ثم يذكر ابن تيمية أن القرآن «لما كذب به المشركون واجتهدوا في إبطاله بكل الطرق مع أنه تحداهم بالإتيان بمثله ثم بالإتيان بعشر سور ثم الإتيان بسورة واحدة ، كان ذلك مما دل ذوى الألباب على عجزهم عن المعارضة مع شدة الاجتهاد وقوى الأسباب» (٥).
__________________
١ ـ ابن تيمية : الجواب الصحيح ج ٤ ص ٧٣ ـ ٧٤.
٢ ـ الزمخشرى : الكشاف ج ١ ص ٤٠.
٣ ـ الباقلانى : إعجاز القرآن ج ١ ص ١٦.
٤ ـ القاضى عبد الجبار : المغنى ج ١٦ ـ إعجاز القرآن ص ٣٧٢.
٥ ـ ابن تيمية الجواب الصحيح .. ج ١ ص ١٤.