وقوعها طبق الأصل على مدى قريب أو بعيد :
أولا : نحو قوله تعالى : (الم (١) غُلِبَتِ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (٤) بِنَصْرِ اللهِ يَنْصُرُ مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ (٥)) [الروم : ١ ـ ٥].
لقد تضمنت هذه الآية ثلاثة من الأخبار عن الغيوب. «أحدها قوله عزوجل (وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) هذا من الغيب الذى لا يعلمه إلا الله عزوجل. والثانى : قوله (فِي بِضْعِ سِنِينَ) والبضع فوق الثلاثة ودون العشرة وهذا التحدى أيضا من الغيب الذى لا يعلمه إلا الله. والثالث : قوله (وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللهِ) فأخبر أنهم يفرحون في ذلك الوقت بنصر الله ، وهذا أيضا من الغيب لأنه خبر عن بقاء المؤمنين إلى ذلك الوقت مع قلتهم وطمع الأعداء في انتسافهم ، وعن أنهم يفرحون ولا تعترض هناك أحوال تمنعهم من الفرح لأن هذه الآية نزلت بمكة قبل الهجرة ، فى حال ضعف المسلمين وقلتهم واستيلاء المشركين عليهم» (١) وهذه القصة مشهورة.
أما النصر الذى له سر المسلمون ، فقد قيل : «إن فرحهم إنما كان لإنجاز وعد الله تعالى إذ كان فيه دليل على النبوة لأنه أخبر تبارك وتعالى بما يكون في بضع سنين فكان فيه».
أما ما قيل من أن سبب ذلك أن الروم أهل كتاب كالمسلمين فإنه يعلل «بما يقتضيه النظر من محبة أن يغلب العدو الأصغر لأنه أيسر مئونة ومتى غلب الأكبر كثر الخوف». يعضد هذا ، ما كان يرجوه الرسول «صلىاللهعليهوسلم» من ظهور دينه وشرع الله الذى بعثه به وغلبته على الأمم».
يعلق «جيبون» على هذه الآيات بقوله : «فى ذلك الوقت حين تنبأ القرآن بهذه النبوءة لم تكن أية نبوءة أبعد منها وقوعا لأن السنين الاثنتى عشرة الأولى من حكومة هرقل كانت تؤذن بانتهاء الامبراطورية الرومانية» (٢). أى أنه باستقراء الواقع واقع الإمبراطورية الرومانية ـ آنذاك ـ المتهالكة ، وبمقياس العقل البشرى ـ الناقص فإن علامات الكذب والبعد عن الواقعية بادية على النبوءة القرآنية. وهى كذلك لو كانت
__________________
١ ـ أبى الحسن أحمد بن الحسين الزيدى : إثبات نبوة النبى ص ١٢٨.
٢ ـ We sternCivilistion عن : الإسلام والمستشرقين ص ٤١٠ (مقال للأستاذ محمد صدر الدين الحسن الندوى جدة ١٤٠٥ ه).