نبوءة بشر ـ كما يزعم كثير من المستشرقين ـ يقول الأستاذ محمد صدر الدين الحسن الندوى : ولكن من المعلوم أن هذه النبوءة جاءت من لدن من هو مهيمن على الوسائل والأحوال .. ولم يكن جبريل يبشر النبى بهذه البشرى حتى أخذ الانقلاب يظهر على شاشة الامبراطورية الرومانية» (١).
ولا شك أن هذا كله إخبار يعلم كل عاقل عجز الخلق عن معرفتها والتوصل إلى إدراكها وكما في قول الله تعالى : (.. لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللهُ آمِنِينَ ..) [الفتح : ٢٧]. فدخلوه كما وعدهم.
ثانيا : من ذلك أيضا قصة أبى لهب وقد كان من المؤذين لرسول الله ، فبشره الله بأن ذلك لا يضره وأخبره أن أبا لهب «وامرأته يموتان على الكفر به ويصيران إلى النار. نزل ذلك بمكة وهما حيان سليمان فكان ذلك كله على ما قال وعلى ما أخبر وكما نقل وبشر ... وهذه غيوب كثيرة لا يكون فعلها بالاتفاق ولا بالحدس ولا بالزرق (٢).
ولا يتفق لحذاق المنجمين أقل القليل من هذا» (٣).
ثالثا : من الأمور التى وقعت في المستقبل كما أخبر القرآن ويستدل بها على إعجازه قوله تعالى : (سَنُرِيهِمْ آياتِنا فِي الْآفاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ) [فصلت : ٥٣]. من حيث أنه «صلىاللهعليهوسلم» أخبر عن مكة أنه يستولى عليها ويقهر أهلها ويصير أصحابه قاهرين للأعداء ، فهذا إخبار عن الغيب وقد وقع مخبره مطابقا لخبره فيكون هذا إخبارا صدقا عن الغيب والإخبار عن الغيب معجزة.
رابعا : ما أخبر به الله عن اليهود وتحداهم به ، لما قالوا (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) [المائدة : ١٨]. أفحمهم بقوله (قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ) وإذ زعم اليهود أنهم (أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ) أعجزهم بقوله تعالى : (فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) [الجمعة : ٦] ثم أمعن في السخرية منهم قائلا (وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) [الجمعة : ٧]. وهذا إخبار من الله تعالى أنهم لا يتمنون الموت أبدا.
وروى عن ابن عباس أنه قال «كان رسول الله «صلىاللهعليهوسلم» يقول لهم : إن كنتم صادقين في مقالتكم فقولوا اللهم أمتنا ، فو الذى نفسى بيده لا يقولها رجل منهم إلا
__________________
١ ـ محمد صدر الدين الحسن الندوى السابق.
٢ ـ الزرق : الخداع وفي اللسان رجل زراق أى خدّاع.
٣ ـ عبد الجبار : تثبيت دلائل النبوة ج ١ ص ٣٦.