وفي مجال تعرية المنهجية الاستشراقية تساءل الفصل الثالث عن دلالة المعجزات على النبوات ، بمعنى : إذا تحققت المعجزة على يد مدعى النبوة فهل ينهض هذا دليلا على أنه مبعوث يوحى إليه؟
فإذا دلت المعجزة على نبوة موسى وعيسى فكيف لا تدل على نبوة محمد وله من المعجزات ما لموسى وعيسى بل له ما هو أزيد وأوضح وأدوم؟
جاء الفصل الرابع ليقيم الأدلة والبراهين على نبوة محمد «صلىاللهعليهوسلم».
أما أوجه التشابه ، بل التطابق بين الوحى الإلهى إلى موسى وعيسى ومحمد عليهم الصلاة والسلام فلا مرية فيه وإذا كان الدين واحدا لأنه صادر من مشكاة واحدة ، وإذا كانت صفات الوحى إلى محمد «صلىاللهعليهوسلم» هى نفسها إلى موسى وعيسى عليهماالسلام ، فما ذا يريد فلاسفة الاستشراق؟
إن الادعاء سهل ، ولا سيما مع الضّغن. وعند ما نتهم المستشرقين بالبعد عن الموضوعية فلأن كثيرا من دراساتهم للإسلام. ونبى الإسلام جاءت من خلال دراساتهم للإنجيل أو اللاهوت ، بل الواقع أن من هؤلاء المستشرقين من ينتظم باستمرار في سلك هيئات دينية وكنسية. فضلا عن وقوعهم في التميز المقصود إلى درجة سوء النية الإرادية والأهداف غير المعلنة (١).
ونحن لا نريد من المستشرق أن يكون مسلما ـ إلا إذا انتهت به أبحاثه ودراساته إلى ذلك ـ يعتقد ما يعتقده المسلم ، ولكننا نقول : ليس من الصعب ـ بل هو من المنهج العلمى ـ أن يضع المستشرق مفهوم المسلم لدينه في تعبير المسلم واصطلاحه ، وهو حين يفعل ذلك لن يكون أكثر اقترابا من المنهج العلمى الموضوعى فحسب ، ولكنه سيجعل نفسه في مركز أفضل لكى يدرك مكان نبوغ الإسلام بين أحداث التاريخ.
هذه مناقشة صريحة لشبهات بعض فلاسفة الاستشراق تناولها الفصل الخامس بمباحثه الخمسة.
وأخيرا لعل هذ البحث يكشف عن أهم أهداف فلسفة الاستشراق ، وهى «إبعاد سلطان الدين عن النفوس» (٢) أما الوسيلة الفعالة إلى ذلك فهى التعليم حيث يقول «جب» : «والتعليم أكبر العوامل الصحيحة التى تعمل على
__________________
١ ـ د. حسن حنفى : مقدمة في علم الاستغراب ص ٣٢ الدار الفنية بمصر ١٤١١ ه ١٩٩١ م.
٢ ـ ه. أ. جب : وجهة الإسلام ترجمة د. محمد عبد الهادى أبو ريدة ص ٢١٤ الطبعة الأولى القاهرة