و السّلف الماضون (رحمهم اللّه) كانوا من أبعد الغاية احترازا عن القول في نزول الآية (١) .
و قال آخر : معرفة سبب النزول أمر يحصل للصحابة بقرائن تحتفّ بالقضايا (٢) .
٣ ــ قولهم نزلت الآية في كذا.
إنّ المراجع لكتب التفاسير، و خاصّة الكتب الجامعة لأسباب النزول، يجد أنّهم إذا أرادوا ذكر سبب نزول آية قالوا : نزلت في كذا، و الظاهر أنّ استعمال الصحابة و التابعين لهذا التعبير، و كون المفهوم من هذا التعبير ما يفهم من قولهم «السبب في نزول الآية كذا» دفعهم على المحافظة على هذه العبارة عند بيان أسباب النزول.
و يؤيّده أنّ الحرف «في» يستعمل فيما يناسب السببيّة و الربط، كما في قولك : لامه في أمر كذا، أي من أجله و على فعله (٣) .
لكن قال الزركشيّ : عادة الصحابة و التابعين أنّ أحدهم إذا قال : «نزلت هذه الآية في كذا» فإنّه يريد أنّها تتضمّن هذا الحكم، لا أنّ هذا كان السبب في نزولها، فهو من جنس الاستدلال على الحكم بالآية، لا من جنس النقل لما وقع (٤) .
أقول : لم تثبت هذه العادة، بل المستفاد من عمل علماء القرآن هو الالتزام بالعكس، و لا بدّ أنّهم لم يفهموا الخلاف من الصحابة أو التابعين،
__________________
(١) أسباب النزول للواحدي (ص ٤).
(٢) الإتقان (ج ١ ص ١١٥).
(٣) لاحظ : مغني اللبيب لابن هشام (ص ٢٢٤).
(٤) الإتقان (ج ١ ص ١١٦).