ـ لأنّك زعمت أنّك لا تحسّه بحواسّك الّتي تعرف بها الأشياء ـ وأقررت أنا به هل بدٌّ من أن يكون أحدنا صادقاً والآخر كاذباً ؟ قال : لا .
قلت : أرأيت إن كان القول قولك فهل يخاف عليَّ شيء ممّا اُخوّفك به من عقاب الله ؟ قال : لا .
قلت : أفرأيت إن كان كما أقول والحقّ في يدي ألست قد أخذت فيما كنت اُحاذر من عقاب الخالق بالثقة وأنّك قد وقعت بحجودك وإنكارك في الهلكة ؟ قال : بلى .
قلت : فأيّنا أولى بالحزم وأقرب من النجاة ؟ قال : أنت ، إلّا أنّك من أمرك على ادّعاء وشبهة ، وأنا على يقين وثقة ، لأنّي لا أرى حواسّي الخمس أدركته ، وما لم تدركه حواسّي فليس عندي بموجود .
قلت : إنّه لمّا عجزت حواسّك عن إدراك الله أنكرته ، وأنا لمّا عجزت حواسّي عن إدراك الله تعالى صدّقت به .
قال : وكيف ذلك ؟ قلت : لأنّ كلّ شيء جرى فيه أثر تركيب لَجسم ، أو وقع عليه بصر لَلون فما أدركته الأبصار ونالته الحواسّ فهو غير الله سبحانه لأنّه لا يشبه الخلق ، وأنّ هذا الخلق ينتقل بتغيير وزوال ، وكلّ شيء أشبهه التغيير والزوال فهو مثله ، وليس المخلوق كالخالق ولا المحدَث كالمحدِث .
شرح : قوله عليهالسلام : والبلاء المحمود عنه الخاصّة والعامّة أي النعمة الّتي يحمدها ويقرُّ بها الخاصُّ والعامُّ لنا وهو العلم ، أو النعم الّتي شملت الخاصَّ والعامَّ كما سيفصّله عليهالسلام بعد ذلك . قوله عليهالسلام : ما اُتى الجهّال أي ما أتاهم الضرر والهلاك إلّا من قبلهم . قال الفيروزآباديُّ : أتى كعنى أشرف عليه العدوّ . وقال الجزريّ : في حديث أبي هريرة : في العدوى إنّي قلت أتيت . أي دهيت وتغيّر عليك حسّك فتوهّمت ما ليس بصحيح صحيحاً . قوله عليهالسلام : استحوذ الشيطان أي غلب واستولى . قوله عليهالسلام : و صنيعة أي احسان ، ويحتمل أن يراد بها هنا الخلقة المصنوعة . قوله عليهالسلام : لجسم بفتح اللّام أي ألبتّة هو جسم . وكذا قوله : للون . ويدلّ على أنّ التركيب الخارجيّ إنّما يكون في الجسم وأنَّ المبصر بالذات هو اللّون . قوله عليهالسلام : أشبه التغيير أي المتغيّر ، أو ذا التغيير بتقدير مضاف .