الصنعة الدالّة على من صنعها ولم تكن شيئاً ، ويهلكها حتّى لا تكون شيئاً . قلت : فأخبرني هل ترى هذه إهليلجة ؟ قال : نعم .
قلت : أفترى غيب ما في جوفها ؟ قال : لا . قلت : أفتشهد أنّها مشتملة على نواة ولا تراها ؟ قال : ما يدريني لعلّ ليس فيها شيء . قلت : أفترى أنّ خلف هذا القشر من هذه الإهليلجة غائب لم تره من لحم أو ذي لون ؟ قال : ما أدري لعلّ ما ثَمَّ غير ذي لون ولا لحم . قلت : أفتقرُّ أنّ هذه الإهليلجة الّتي تسمّيها الناس بالهند موجودة ؟ لاجتماع أهل الاختلاف من الاُمم على ذكرها . قال : ما أدري لعلّ ما اجتمعوا عليه من ذلك باطل ! قلت : أفتقرُّ أنَّ الإهليلجة في أرض تنبت ؟ قال : تلك الأرض وهذه واحدة وقد رأيتها . قلت : أفما تشهد بحضور هذه الإهليلجة على وجود ، ما غاب من أشباهها ؟ قال : ما أدري لعلّه ليس في الدنيا إهليلجة غيرها . فلمّا اعتصم بالجهالة قلت : أخبرني عن هذه الإهليلجة أتقرُّ أنّها خرجت من شجرة ، أو تقول : إنّها هكذا وجدت ؟ قال : لا بل من شجرة خرجت . قلت : فهل أدركت حواسّك الخمس ما غاب عنك من تلك الشجرة ؟ قال : لا . قلت : فما أراك إلّا قد أقررت بوجود شجرة لم تدركها حواسّك . قال : أجل ولكنّي أقول : إنَّ الإهليلجة والأشياء المختلفة (١) شيء لم تزل تدرك ، فهل عندك في هذا شيء تردّ ، به قولي ؟ قلت : نعم أخبرني عن هذه الإهليلجة هل كنت عاينت شجرتها وعرفتها قبل أن تكون هذه الإهليلجة فيها ؟ قال : نعم . قلت : فهل كنت تعاين هذه الإهليلجة ؟ قال : لا . قلت : أفما تعلم أنّك كنت عاينت الشجرة وليس فيها الإهليلجة ، ثمَّ عدت إليها فوجدت فيها الإهليلجة أفما تعلم أنّه قد حدث فيها ما لم تكن ؟ قال ما أستطيع أن اُنكر ذلك ولكنّي أقول : إنّها كانت فيها متفرّقة . قلت : فأخبرني هل رأيت تلك الإهليلجة الّتي تنبت منها شجرة هذه الإهليلجة قبل أن تغرس ؟ قال : نعم . قلت : فهل يحتمل عقلك أنَّ الشجرة الّتي تبلغ أصلها وعروقها وفروعها ولحاؤها وكلّ ثمرة جنيت ، (٢) وورقة سقطت ألف ألف رطل كانت كامنة في هذه الإهليلجة ؟ قال : ما
________________________
(١) وفي نسخة : والاشياء المؤتلفة .
(٢) جنى الثمر : تناوله من شجرته .