الشمس لدنوّها ، وخلق لهم شهباً ونجوماً يهتدى بها في ظلمات البرّ والبحر لمنافع الناس ، ونجوماً يعرف بها أصل الحساب ، فيها الدلالات على إبطال الحواسّ ، ووجود معلّمها الّذي علّمها عباده ، ممّا لا يدرك علمها بالعقول فضلاً عن الحواسّ ، ولا يقع عليها الأوهام ولا يبلغها العقول إلّا به لأنّه العزيز الجبّار الّذي دبّرها وجعل فيها سراجاً وقمراً منيراً ، يسبحان (١) في فلك يدور بهما دائبين ، (٢) يطلعهما تارة ويؤفلهما اُخرى ، فبنى عليه الأيّام والشهور والسنين الّتي هي من سبب الشتاء والصيف والربيع والخريف ، أزمنة مختلفة الأعمال ، أصلها اختلاف اللّيل والنهار اللّذين لو كان واحد منهما سرمداً على العباد لما قامت لهم معايش أبداً ، فجعل مدبّر هذه الأشياء وخالقها النهار مبصراً واللّيل سكناً ، وأهبط فيهما الحرَّ والبرد متبائنين لو دام واحد منهما بغير صاحبه ما نبتت شجرة ولا طلعت ثمرة ، ولهلكت الخليقة لأنّ ذلك متّصل بالريح المصرّفة في الجهات الأربع ، باردة تبرّد أنفاسهم ، وحارّة تلقح أجسادهم وتدفع الأذى عن أبدانهم ومعايشهم ، ورطوبة ترطب طبائعهم ، ويبوسة تنشف رطوباتهم وبها يأتلف المفترق وبها يتفرّق الغمام المطبق حتّى ينبسط في السماء كيف يشاء مدبّره فيجعله كسفاً فترى الودق يخرج من خلاله بقدر معلوم لمعاش مفهوم ، وأرزاق مقسومة وآجال مكتوبة ، ولو احتبس عن أزمنته ووقته هلكت الخليقة ويبست الحديقة ، فأنزل الله المطر في أيّامه ووقته إلى الأرض الّتي خلقها لبني آدم ، وجعلها فرشاً ومهاداً ، وحبسها أن تزول بهم ، وجعل الجبال لها أوتاداً ، وجعل فيها ينابيع تجري في الأرض بما تنبت فيها لا تقوم الحديقة والخليقة إلّا بها ، ولا يصلحون إلّا عليها مع البحار الّتي يركبونها ، ويستخرجون منها حلية يلبسونها ولحماً طريّاً وغيره يأكلونه ؛ فعلم أنّ إله البرّ والبحر والسماء والأرض وما بينهما واحدٌ حيٌّ قيّوم مدبّر حكيم ، وأنّه لو كان غيره لاختلفت الأشياء .
وكذلك السماء نظير الأرض الّتي أخرج الله منها حبّاً وعنباً وقضباً ، وزيتوناً
________________________
(١) سبح في الماء وبالماء : عام وانبسط فيه . ويستعار لمرّ النجوم وجرى الفرس وما شاكل .
(٢) أي مستمرين .