مسلم بالغ ، فأخبر عليهالسلام أن من تقلد الجبر والتفويض ودان بهما فهو على خلاف الحق ، فقد شرحت الجبر الذى من دان به يلزمه الخطاء ، وأن الذى يتقلد التفويض يلزمه الباطل فصارت المنزلة بين المنزلتين بينهما ، ثم قال : وأضرب لكل باب من هذه الابواب مثلا يقرب المعنى للطالب ويسهل له البحث عن شرحه ، تشهد به محكمات آيات الكتاب ، وتحقق تصديقه عند ذوى الالباب وبالله التوفيق والعصمة.
فأما الجبر الذى يلزم من دان به الخطاء
فهو قول من زعم أن الله عزوجل أجبر
العباد على المعاصي وعاقبهم عليها ، ومن قال بهذا القول فقد ظلم الله في حكمه
وكذبه
ورد عليه قوله : «ولا يظلم ربك أحدا» وقوله : «ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس
بظلام للعبيد» وقوله : «إن الله لا يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون» مع
آي كثيرة في ذكر هذا ، فمن زعم أنه مجبر على المعاصي فقد أحال بذنبه على الله ، وقد
ظلمه في عقوبته ، ومن ظلم الله فقد كذب كتابه ، ومن كذب كتابه فقد لزمه الكفر
باجتماع الامة ، ومثل ذلك مثل رجل ملك عبدا مملوكا لا يملك نفسه ، ولا يملك
عرضا من عروض الدنيا ، ويعلم مولاه ذلك منه ، فأمره على علم منه بالمصير إلى
السوق لحاجة يأتيه بها ولم يملكه ثمن ما يأتيه به من حاجته ، وعلم المالك أن على
الحاجة رقيبا لا يطمع أحد في أخذها منه إلا بما يرضى به من الثمن ، وقد وصف مالك
هذا العبد نفسه بالعدل والنصفة ، وإظهار الحكمة ، ونفي الجور ، وأوعد عبده إن لم
يأته
بحاجته أن يعاقبه على علم منه بالرقيب الذي على حاجته أنه سيمنعه ، وعلم أن
المملوك
لا يملك ثمنها ولم يملكه ذلك ، فلما صار العبد إلى السوق وجاء ليأخذ حاجته التي
بعثه المولى لها وجد عليها مانعا يمنع منها إلا بشراء وليس يملك العبد ثمنها
فانصرف
إلى مولاه خائبا بغير قضاء حاجته ، فاغتاظ مولاه من ذلك وعاقبه عليه ، أليس يجب في
عدله وحكمته أن لا يعاقبه وهو يعلم أن عبده لا يملك عرضا من عروض الدنيا ولم يملكه
ثمن حاجته؟ فإن عاقبه عاقبه ظالما متعديا عليه ، مبطلا لما وصف من عدله وحكمته
ونصفته ، وإن لم يعاقبه كذب نفسه في وعيده إياه حين أوعده بالكذب والظلم اللذين
ينفيان العدل والحكمة ، تعالى عما يقولون علوا كبيرا ، فمن دان بالجبر أو بما يدعو