يكون نفوسا لها وهذا هو القول بالتناسخ ، وإما أن لا تصير وهذا هوالذي مال إليه ابن سينا والفارابي من أنها تتعلق بأجرام سماوية لا على أن يكون نفوسا لها مدبرة لامورها ، بل على أن يستعملها لامكان التخيل ، ثم تتخيل ، الصور التي كانت معتقدة عندها وفي وهمها فيشاهد الخيرات الاخروية على حسب ما يخيلها ، قالوا : ويجوز أن يكون هذا الجرم متولدا من الهواء والادخنة من غير أن يقارن مزاجا يقتضي فيضان نفس إنسانية.
ثم إن الحكماء وإن لم يثبتوا المعاد الجسماني والثواب والعقاب المحسوسين فلم ينكروها غاية الانكار بل جعلوها من الممكنات لا على وجه إعادة المعدوم ، وجوزوا حمل الآيات الواردة فيها على ظواهرها ، وصر حوا بأن ليس مخالفا للاصول الحكمية والقواعد الفلسفية ، ولا مستبعد الوقوع في الحكمة الالهية ، لان للتبشير والانذار نفعا ظاهرا في أمر نظام المعاش وصلاح المعاد ، ثم الايفاء بذلك التبشير والانذار بثواب المطيع وعقاب العاصي تأكيد لذلك وموجب لازدياد النفع فيكون خيرا بالقياس إلى الاكثرين ، وإن كان ضرا في حق المعذب ، فيكون من جملة الخير الكثير الذي يلزمه شر قليل ، بمنزلة قطع العضو لصلاح البدن انتهى.
ونحوا من ذلك ذكر الشيخ ابن سينا في
رسالة المبدء والمعاد ولم يذكر هذا
التجويز ، وإنما جوزه في الشفاء خوفا من الديانين في زمانه ، ولا يخفى على من راجع
كلامهم وتتبع اصولهم أن جلها لا يطابق ماورد في شرائع الانبياء ، وإنما يمضغون
ببعض اصول الشرائع وضروريات الملل على ألسنتهم في كل زمان حذرا من القتل
والتكفير من مؤمني أهل زمانهم ، فهم يؤمنون بأفواههم وتأبى قلوبهم وأكثرهم كافرون ولعمري من قال : بأن الواحد لا يصدر عنه إلا الواحد ، وكل حادث مسبوق بمادة ، وماثبت قدمه امتنع عدمه ، وبأن العقول والافلاك وهيولى العناصر قديمة ، وأن
الانواع المتوالدة كلها قديمة وأنه لا يجوز إعادة المعدوم ، وأن الافلاك متطابقة ،
ولا
تكون العنصريات فوق الافلاك ، وأمثال ذلك كيف يؤمن بما أتت به الشرائع ونطقت
به الآيات وتواترت به الروايات من اختيار الواجب وأنه يفعل مايشاء ويحكم ما