ثم قال ابن أبي الحديد : قلت : وهذا الخبر أيضاً قرأته على النقيب أبي جعفر رحمهالله فقال : إذا كان رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أباح دم هبّار بن الأسود لأنه روّع زينب فألقت ذا بطنها ، فظهر الحال أنه لو كان حياً لأباح دم من روع فاطمة حتى ألقت ذا بطنها ، فقلت : أروي عنك ما يقوله قوم إنّ فاطمة رُوّعت فألقت المحسن ؟ فقال : لا تروه عنّي ، ولا ترو عنّي بطلانه ، فإنّي متوقف في هذا الموضع ، لتعارض الأخبار عندي فيه.
أقول : وإذا كان النقيب أبو جعفر متوقف في هذا الموضع لتعارض الأخبار عنده فيه ، فإنّا لسنا من المتوقفين فيه ، بل هو من الثابت عندنا لتواتر الخبر فيه عند الشيعة منذ عصر الحَدَث وحتى يومهم الحاضر ، وقد وردت روايات أهل البيت في ذلك ، بل لقد وردت رواية نبوية تشير إلى وقوع الحدث قبل وقوعه ، وهي في نفسها تكفي في الإثبات ، لأنّها من رواية الأثبات ، وحسبنا أنّها مما رواه ابن عباس ـ حبر الأمة وترجمان القرآن ـ عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وأخرجها الحمويني الشافعي في كتابه فرائد السمطين (١) ، باسناده عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : انّ رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم كان جالساً إذ أقبل الحسن ، فلما رآه بكى ، ثم قال : « إليّ يا بني ... » ، ثم أقبل الحسين فلما رآه بكى ، ثم قال : « إليّ يا بني ... » ، ثم أقبلت فاطمة ... فلما رآها بكى ، ثم قال : « إليّ ... » ، ثم أقبل أمير المؤمنين فلما رآه بكى ، ثم قال : « إليّ ... » ، فسأله أصحابه عن بكائه ، فقال ـ ثم ذكر ما سيجري على كل واحد منهم فكان مما قاله في حق ابنته فاطمة : ـ
« وأما ابنتي فاطمة فإنّها سيدة نساء العالمين ... وإنّي لما رأيتها ذكرت ما يصنع بها بعدي ، كأنّي بها وقد دخل الذل بيتها ، وانتهكت حرمتها ، وغُصب حقها ،
_____________________
١ ـ فرائد السمطين ٢ : ٣٤ ـ ٣٥.