وجاء في البخاري في كتاب التفسير آخر سورة المائدة باب قوله تعالى : ( وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ ) بسنده عن ابن عباس قال : خطب رسول الله صلىاللهعليهوسلم : ... ألا ويجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال ، فأقول : يا رب أصحابي ، فيقول : إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك ؟ فأقول كما قال العبد الصالح : ( وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ ) (١) ، فيقال : إنّ هؤلاء لم يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم.
وفي البخاري في كتاب الرقاق باب في الحوض بسنده عن أبي هريرة أنّ النبي صلىاللهعليهوسلم قال : يرد عليَّ يوم القيامة رهط من أصحابي ، فيحلؤون عن الحوض ، فأقول : يا رب أصحابي ، فيقول : إنّك لا علم لك بما أحدثوا بعدك ، إنّهم ارتدوا على أدبارهم القهقرى.
إلى غير ذلك من عشرات الأحاديث والآثار التي تنطق بوقوع ارتداد بعض الصحابة عن الصراط السوي الذي تركهم النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عليه ، وأمرهم بالتمسك به كما في حديث الثقلين وغيرهم ، ولكن القوم حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها ، فانقلبوا على الأعقاب ، ونبذوا العترة والكتاب من وراء ظهورهم.
فلم ير الإمام أمير المؤمنين عليهالسلام إلّا الصبر على ذهاب حقه حفاظاً على بقاء الإسلام والنداء بالشهادتين ، وفي خطبة الشقشقية ما يكشف عن مدى الألم الذي كان يعتصر قلبه بأبي هو وأمي ، فهو أول مظلوم وأول من غصب حقه ، ولما كان عليهالسلام لم يجد العدد الكافي الذي يعينه ، صَبَر على شدة المحنة وطول الأذى ، ولم يكن سكوته عن طلب حقه إلا لقلة الناصر ، وهو القائل : « لو وجدت أربعين ذوي عزم لناهضت القوم » (٢).
_____________________
١ ـ المائدة : ١١٧.
٢ ـ مستدرك سفينة البحار ٤ : ٦٤ ، وفي شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد ٢ : ٤٧ : « لو وجدت أربعين ذوي عزم منهم لناهضت القوم ».