ووقف عقبة أمام نشره ولو كان أقرب الناس إليه في القرابة مثل عمه وعشيرته ، فتراه لعن عمّه أبا لهب وتبرأ منه : ( تَبَّت يَدَا أبي لَهبٍ وَتَبَّ * ما أغنَى عَنهُ مَالُهُ وما كَسَبَ ... )(١) ، ومن جانب آخر قرّب إليه من آمن به وصدّق بنبوّته ولو كان لا يمس إليه بصلة أو قرابة ، بل حتى لو كان عبدا حبشيا أو مولىً ، كما قال صلىاللهعليهوآلهوسلم في حق سلمان الفارسي : « سلمان منّا أهل البيت (٢).
فالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم عندما يطلب المودة لأقربائه ويجعلها أجرا على رسالته ، لا يعني بذلك جميع أقربائه ؛ لأنّ ذلك ينافي صريح القرآن الكريم ، إذ كيف يطلب رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم مودة من لعنه اللّه في محكم كتابه مثل أبي لهب ، وإنّما يطلب المودة لمجموعة خاصة وأفراد معينين من أقربائه ، والذين بهم يتم حفظ الرسالة الإسلامية والنبوة المحمدية ، ومنهم يؤخذ الدين الصحيح ، وبهم النجاة من الاختلاف والانحراف ، وهم الأئمة المعصومون عليهمالسلام من أهل البيت.
فالنبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إذن يطلب الأجر الذي هو بالحقيقة عائد إلى المسلمين ، لا إلى النبى صلىاللهعليهوآلهوسلم ولا إلى أهل بيته عليهمالسلام ؛ لأنّهم لم يكونوا بحاجة إلى هذه المودة ، إلاّ بالقدر الذي يفيد سائر الاُمّة في الحفاظ على مبادئ الدين وكتاب اللّه المبين وسيرة سيد المرسلين صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وبهذا يتضح أنه ليس ثمة منافاة بين الآية وبين الآيات التي تنفي طلب الأجر ، فالأجر في الآيات هو أجر حقيقي ، وهذا ما لا يطلبه رسول
__________________
١) سورة المسد : ١١١ / ١ ـ ٢.
٢) أُسد الغابة ٢ : ٤٢١. ومسند أبي يعلى ٦ : ١٧٧ / ٦٧٣٩ ، دار المأمون للتراث ـ دمشق ط١.