وليكن حينئذ ... منصب وزير التجارة ووزير النفط ، واستعمال الراديو والتلفزيون ، والتلفون ، وركوب السيارة والقطار ، والطائرة ، من البدع.
وليكن كذلك اعتبار الجلوس كل يوم على الشرفة لاحتساء كوب من الشاي ، وكذا اطلاق القاب : جلالة الملل ، ومعالي الوزير ... الى غير ذلك مما لا مجال لتعداده ؛ من البدع المحرمة ، حيث لم يرد بها نص بخصوصها ، ولأنها من محدثات الأمور ، كما يدَّعي هؤلاء.
هذا ... وقد صرَّحوا هم أنفسهم بأن الأشياء ما عدا العبادات منها كلها على الإباحة حتى يرد ما يوجب رفع اليد عنها ، ولا سيما ما كان من قبيل العادات ١ ... الذي هو محل كلامنا بالفعل ، حيث قد جرت عادة الناس على إقامة الذكريات لعظمائهم ، وعلى اعتبار يوم ميلاد الشخص يوم فرح ومسرة ، فيهدون له فيه الهدايا ... ويقيمون المجالس ، وكذا يوم احتجامه ...
ومن ذلك ايضا : اعتبارهم يوم الاستقلال يوما عظيما ...
الى غير ذلك مما لا مجال لتتبعه واستقصائه ...
وثانيا : إن الحقيقة هي : ان ما نحن فيه داخل في قسم ما أمر الله سبحانه به ، وأراده. فلا يكون بدعة ، لا بالمعنى الأول ، ولا بالمعنى الثاني.
وتوضيح ذلك : إن أوامر الشارع ونواهيه ، تارة تتعلق بالشيء ، بعنوانه الخاص به ، والذي يميزه عن كل من عداه .. وتارة بتعلق لا بعنوانه بخصوصه ، بل بعنوانه العام ، ويترك أمر تحقيق المصاديق واختيارها وملاحظة انطباق ذلك العنوان وعدمه إليه ..
فاختيار المكلف لهذا المصداق أو لذاك لا يعتبر بدعة ، ولا إحداثا في الدين ما ليس منه .. بل هو عين الامتثال والانقياد لأحكامه ، والانصياع لأوامره ، ويستحق على ذلك الأجر الجميل ، والثواب الجزيل.
وذلك ، كما لو أمر الشارع بمعونة الفقراء ، وترك اختيار المورد والمصداق ، والكيفية ، والأسلوب إلى المكلف ، فباستطاعته أن يعينهم بالعمل لهم ، أو بقضاء حوائجهم ، أو مساعدتهم ماليا .. إلى غير ذلك مما يصدق عليه أنه معونة .. وإن لم ينص الشارع على مصداق أو كيفية بالخصوص.
__________________
١ ـ راجع : اقضاء الصراط المستقيم / ص ٢٦٩ وراجع : إرشاد الفحول ، الصفحات الأخيرة ..