ونحن ... وان كنا نحتمل المعنى الذي ذكره المنذري ، إلّا أن ما جعله مؤيدا ، لا يصلح للتأييد ، إذ ان الظاهر هو : ان هذه الفقرة في صدر بيان كراهة جعل القبور في بيوتهم. وان دفن النبي (ص) في بيت ابنته فاطمة ١ إنما كان لمصلحة خاصة اقتضت ذلك ، فليس لهم أن يتخذوا ذلك مؤشرا على رجحان الدفن في البيوت. « وذلك لأن للأنبياء خصوصية ليست لغيرهم ، وهي انهم يدفنون حيث يقبضون ». ٢
فلا يصح ما ذكروه من انه (ص) لم يدفن في الصحراء ، لئلا يصلَّى عند قبره ، ويتخذ مسجداً فيتخذ قبره وثناً. ٣
وذلك لما قدَّمناه من الرواية المقتضية للخصوصية .. هذا بالاضافة إلى أن دفنه في بيته أدعى لأن يتَّخذ مسجداً ، خصوصا وأنه متصل بالمسجد النبوي ، ولو كان في الصَّحراء ، لأمكن المنع عنه بصورة أسهل .. وقد منع عمر من الصلاة عند شجرة بيعة الرضوان ، فامتنع الناس ، ولذلك نظائر أخرى. ٤
وأمّا بالنسبة لفقرة : « لا تتخذوا قبري عيدا .. » .. فيحتمل قويّاً : أن يكون المراد : ان اجتماعهم عند قبره (ص) ينبغي أن يكون مصحوبا بالخشوع والتأمل والاعتبار ، حسبما يناسب حرمته وٱحترامه (ص) ، فإنَّ حرمته ميتاً كحرمته حيّاً .. فلا يكون ذلك مصحوبا باللهو واللعب والغفلة والمزاح ، وغير ذلك مما اعتادوه في أعيادهم .. ولعل هذا هو مراد السبكي حينما قال :
« ويحتمل : لا تتخذوه كالعيد في الزينة والاجتماع وغير ذلك ، بل لا يؤتى
__________________
١ ـ لقد نشرنا مقالاً أثبتنا فيه أنه (ص) دفن في بيت فاطمة ، لا في بيت عائشة فراجع كتابنا : دراسات و حوث في التاريخ والاسلام / ج ١.
٢ ـ مقدمه شفاء السقام / ص ١٢٥ / ١٢٦ والتوسل بالنبيِّ وجهله الوهابيِّين.
٣ ـ راجع : مقدمة شفاء السقام ، المسماة : تظهير الفؤاد من دنس الاعتقاد / ص ١١٨ ، والصارم المنكي / ص ٢٦١ / ٢٦٢ ، والتوسل بالنبيِّ وجهلة الوهابيِّين / ص ١٥١.
٤ ـ راجع : الدر المنثور / ج ٦ / ص ٧٣ ، عن مصنف ابن أبي شيبة ، وتاريخ عمر بن الخطاب لابن الجوزي / ص ١٤٤ و ١٤٥ ، والسيرة الحلبية / ج ٣ / ص ٢٥ ، وفتح الباري / ج ١ / ص ٤٦٩ ، وج ٧ / ص ٣٤٥ ، وإرشاد الساري / ج ٦ / ص ٣٥٠ ، وطبقات ابن سعد / ج ٢ ، قسم ١ / ص ٧٣ ، وشرح النهج للمعتزلي / ج ١ / ص ١٧٨ ، وراجع الغدير / ج ٦ / ص ١٤٦ و ١٤٧ عن من تقدم وعن غيره ، وكذا كتاب التبرك / ص ٢٢٦ ـ ٢٣٥ عن من تقدم وغيره.