فينحصر عندئذٍ الجواب على الاستدلال بهذين الحديثين بدعوى ظهور مثل هذه الألسنة في الارشاد إلى نكتة عقلائية مخصوصة بالامور التي لها مراتب أو لها فوائد مختلفة ومتعددة فيتعذر بعضها دون البعض الآخر ، فلا ينبغي ترك ما لا يتعذر ، فمن لا يتمكن من اطعام الفقير بأحسن المطعومات فليطعمه بما يتيسّر له ، ومن لا يتمكن من الانفاق بكل ماله الذي هو مرتبة عالية من الانفاق فلينفق ما يتيسّر له وهكذا ، وهذه نكتة عرفية وعقلائية في الخيرات والمبرّات والأفعال الحسنة وليست قاعدة تأسيسية شرعية لا يجاب الباقي في المركبات الارتباطية الشرعية.
ص ٣٨٦ قوله : ( وأمّا الحديث الثاني : « إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم » ... ).
ارادة التبعيض بنحو الجزء والكل من الحديث لا يناسب مورد الحديث وهو الاتيان بالحج مكرراً ، وارادة البيانية مع فرض كون الأمر بنحو مطلق الوجود بأن يكون المقصود وجوب الاتيان بتمام أفراد الواجبات الانحلالية المقدورة ( وتكون ما موصولة في الحالتين ) أيضاً خلاف مورد الآية وهو وجوب الحج الذي هو بنحو صرف الوجود كما انّه على خلاف ما قصده النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ونفاه من وجوب تكرار الحج في كل عام.
ومنه يظهر انّ ما ذكره المحقق الاصفهاني من امكان الجمع في التبعيض بين الكل والجزء والكلي والفرد بتفسير التبعيض بالاقتطاع وهو كما يصدق في اقتطاع الجزء من الكل والمركب يصدق في اقتطاع الفرد من الطبيعة فيقال لا أملك من البستان إلاّواحداً ـ غير مجدٍ حتى إذا تمّ لغوياً ؛ لأنّه لا يناسب