ترجيح بلا مرجح ، فإذا كان الحكم بكل منهما بعينه ترجيح بلا مرجح ، بمعنى انه لا وجه للإلزام بأحد الطرفين بعينه ، فيتعين تعلّق الحكم التخييري بهما ، اما بنحو وجوب أحدهما لا بعينه أو بنحو وجوب كل منهما مشروطا بترك الآخر. بيان ذلك : انه إذا ثبت عدم إمكان الجمع بين الحكمين لرافعية كل منهما لموضوع الآخر ، وثبت عدم إمكان الحكم بأحدهما بعينه ، لأنه ترجيح بدون مرجح ، فان التزمنا بالترتب وصححنا رفع التزاحم بين الحكمين بإجراء الترتب تعين هاهنا الالتزام به ، فيقيد إطلاق كل منهما بصورة ترك الآخر ، فيكون كل منهما ثابتا في صورة ترك الآخر فانه يرتفع التزاحم بينهما بذلك ، وتكون النتيجة تخيير المكلّف بين الفعلين. وان لم نلتزم بالترتب وأنكرنا إمكانه مطلقا أو التزمنا به في الجملة لكن أنكرنا ثبوته في مورد تزاحم الواجبين المشروط كل منهما بالقدرة شرعا ، تعين فيما نحن فيه الالتزام بسقوط كلا الحكمين في مورد التزاحم ، والتزام بثبوت وجوب تخييري متعلّق بأحدهما لا بعينه لثبوت أحد الملاكين لا بعينه ، فالمكلّف مخوّل في تحصيل أحدهما لعدم إمكان الجمع بينهما (١).
ومن هنا يتّضح الوجه في ذهاب المحقق النائيني إلى ان التخيير هاهنا شرعي ، بمعنى ثبوت خطاب شرعي بأحد العملين لا بعينه ، لأنه وان التزم بالترتب لكنه أنكر ثبوته في مثل المورد مما كان التزاحم فيه بين حكمين مشروطين بالقدرة شرعا ، فلا يتجه الحكم ببطلانه ـ كما في المحاضرات ـ (٢) وان النتيجة هي الالتزام بخطاب مشروط بترك الآخر في كل منهما ، إلاّ ان يرجع الإيراد إلى الإشكال المبنائي لا العلمي. فالتفت.
والمتحصل : انك عرفت السّر في ذهاب المحقّق النائيني إلى عدم تقديم
__________________
(١) المحقق الخوئي السيد أبو القاسم. أجود التقريرات ١ ـ ٢٧٦ ـ الطبعة الأولى.
(٢) الفياض محمد إسحاق. محاضرات في أصول الفقه ٣ ـ ٢٦٧ ـ الطبعة الأولى.