البصرة فكانوا (لا يدركون منهزما إلاّ قتلوه ، ولا يأخذون أسيرا فيعفون عنه ، فلم ينجُ من ذلك الجيش إلاّ طائفة من أصحاب الخيل ، وأما الرجّالة فأبيدوا إلاّ قليلاً).
ولكن سرعان ما دارت الدائرة على جيش المختار ، ولم يظهر جند مصعب أية رحمة ، وكان أشدّهم قسوة الكوفيين الهاربين إلى البصرة الذين أباد المختار معظمهم ونجا القليل منهم ، وخلال ذلك كتب المختار ، إلى إبراهيم ، يطلب مساعدته ، ولكنّه رفض (١).
كانت هذه النتيجة صدمة عنيفة أصابت المختار ، فرأى أن يقاتل حتى يُقْتَل ، فقال : « ما من الموت بد ، وما من ميتة أحبّ من أن أموت ميتة ابن شميط ».
أي أن يموت في ساحة القتال.
وزحف جيش مصعب إلى الكوفة ، وخرج المختار لقتالهم فنزل (حروراء) بعد أن حصن القصر ومسجد الكوفة.
وكان في القصر مع المختار عدد كبير من الموالي ، وقليل من العرب.
وخلال الحصار الذي استمرّ تبعا لما يذكره الواقدي (٢) أربعة أشهر أو أربعين يوما على ما يذكر الدينوري (٣) ، ترك العرب المخبأ ولجأوا إلى قبائلهم ، بينما بقي الموالي مع المختار حتى استشهاده رحمهالله.
وبعد أن أدرك المختار أن هذا الحصار سوف يضعف مقاومتهم حثّ أصحابه على الخروج معه ليقاتلوا حتى يموتوا أو ينتصروا ، إلاّ أنّهم رفضوا ذلك ، وقرّروا الاستسلام والنزول على حكم مصعب بن الزبير دون قيد أو شرط.
__________________
(١) الفتوح / ابن أعثم الكوفي ٦ : ٢٨٧.
(٢) تاريخ الطبري ٢ : ١٢٠.
(٣) الأخبار الطوال / الدينوري : ٤٤٧.