خمسة وعشرين ألفا (١) ، حيث اكتظّت شوارع الكوفة بجماهير الهاتفين بتحيات الاستقبال ، وامتلأت الدار على سعتها بالمزدحمين من مختلف الطبقات على الترحيب به ، حاملين وسام حفلة الحفاوة بقدومه ، رافعين شعار التهاني والابتهاج بتشريفه.
وكان من جملة من بايعه ودعا الناس إليه هو المختار ، وكان أمير الكوفة يومئذٍ هو النعمان بن بشير ، ولكن جماعة من بني أمية لم يسكتوا عن تحركات مسلم عليهالسلام فكتبوا إلى يزيد بجلية الحال. فقد كتب عبد اللّه بن مسلم الباهلي (٢) كتابا إلى يزيد يخبره فيه بنشاط مسلم بن عقيل عليهالسلام وما كان من يزيد إلاّ أن يبعث (عبيداللّه بن زياد) ، واليه على البصرة ويضمّ إليه الكوفة. ثم تدور الدائرة وإذا بعبيداللّه بن زياد أميرا على الكوفة (وسيفه وسوطه على من ترك أمره وخالف نهيه) ، وإذا بأهل الكوفة الذين بايعوا مسلما بالأمس القريب يتخاذلون عنه ، فهم بين متخاذل وخائف مرتاب.
إنّ مجيء ابن زياد إلى الكوفة واليا عليها من قبل يزيد الفاسق الملعون كان سببا في خنق حركة مسلم بن عقيل ، حيث ان أول عمل قام به هو القضاء عليها ، وذلك بتثبيط عزائم قادتها ، وهناك ظفر بهم فسجنهم في بيوتهم ، وجعل عليهم رقابة شديدة ، ومنهم من ألقي في غياهب السجون.
أما المختار فلم يك يعلم بما حدث ، ولم يدر بخلده أن يتخاذل الناس عن مسلم ثم يسلّمونه للسيوف وهم يتفرّجون ، لأنّه يُروى أنه كان في قرية خارج الكوفة تسمى (القفا) وحين علم بذلك أقبل بمواليه وطائفة من قبيلته
__________________
(١) ابن شهرآشوب ٢ : ٣١.
(٢) وقيل عبد اللّه بن مسلم الحضرمي ، حليف بني أمية.