والتي جعلت من المختار مسؤولاً عن وجود هذا الكرسي ، نرى أن هذه الرواية قد تعرّضت إلى التشويه ، والإضافة من قبل البلاذري ، والطبري الأمر الذي جعلنا نشك بصحّتها. وللأسباب التالية :
١ ـ للإساءة والطعن بشخصية المختار ، الأمر الذي فعله الكثير من خصومه ، حيث أن أعداء المختار كانوا كثيرين من بني أمية وبني الزبير وأنصارهما ، وماذا يرتجى من العدو غير الكيد بالطرق الآخر ولو عن طريق الأكاذيب وبثّ الاشاعات ، وهو ما حصل من أعداء المختار.
٢ ـ وإن صحّ وجود هذا الكرسي ، نرى أن الغرض منه ، لمنح المقاتلين النصر ، ولزيادة حماس المحاربين ، فقد يكون للنصر الذي أحرزه إبراهيم ، أسباب أحدها وجود هذا الكرسي.
٣ ـ وقد تكون هذه الرواية من وضع البلاذري ، أو الطبري. حيث روى الطبري (١) في موضع آخر رواية بهذا الصدد عن طفيل بن جعدة بن هبيرة مفادها ، أن الذي روَّج دعاية الكرسي هو عبد اللّه بن نوف ، ويقول : المختار أمرني به ، ولما علم المختار بذلك تبرّأ منه.
وبناء على ذلك فإننا نميل إلى تفضيل رواية (ابن طفيل) ، على رواية (أبي مخنف) التي تعرّضت إلى التحريف والزيادة (٢) لنستنتج من كل ذلك ، أن آل الزبير (٣) هم السبب الرئيس في تخلّي وارتداد إبراهيم عن المختار ،
__________________
(١) الطبري ٢ : ٢٠٣ ـ ٢٠٧.
(٢) الخلافة الأموية / د. عبد الأمير دكسن : ١٠٢.
(٣) في الحديث الشريف : «يلحد بمكة كبش اسمه عبداللّه عليه نصف عذاب أهل النار».
روى الحديث هذا كثير من حفاظ أهل السنة ، رواة ابن قتيبة في الإمامة والسياسة في مقتل عثمان ١ : ٣٥. ورواه الهيتمي الشافعي في الصواعق المحرقة : ٦٦ ـ ٦٧. والمحب الطبري الشافعي في الرياض النضرة ٢ : ١٢٨ بطريقين ذكر أنهما خرجهما أحمد بن حنبل ، وفي الرياض أيضا : ١٢٩ ، عن عبد اللّه بن الزبير نفسه أنه قال لعثمان ، حين حصر : عندي نجائب أعددتها فهل لك أن تحول عليها إلى مكة فيأتيك من أراد أن يأتيك. قال «يعني عثمان». لا ، إنّي سمعت رسول اللّه صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : «يلحد بمكة كبش من قريش عليه أوزار نصف الناس». ورواه برهان الدين الحلبيالشافعي في سيرته ١ : ١٨٣.