وأمّا اعتماده على التقدير في تفهيم مراده فهو خلاف المتعارف في المحاورات العرفيّة ؛ لأنّه يحتاج إلى عناية وقرينة تدلّ عليه إمّا بأن يكون اعتمد على كلام سابق له ، أو يكون ذكر القرينة في ابتداء كلامه أو في آخره مثلا وهكذا ، ولا شيء من هذا القبيل موجود في مقامنا ، فيكون الاعتماد على التقدير هنا فيه عناية كبيرة لا يقتضيها الطبع ولا يستسيغها العرف.
فإن قيل : إنّ الاحتمال الأوّل كما توجد فيه عناية التقدير فكذلك في الاحتمالين الثاني والثالث ، فإنّ كلاّ منهما يحتاج إلى عناية ؛ لأنّ الاحتمال الثاني كان يفسّر الموضوع الخارجي بالموضوع التشريعي وهذه عناية ، والاحتمال الثالث كان ينظر إلى الوجود الخارجي وكأنّه معدوم تنزيلا وتشريعا ، وهذه عناية أيضا ، فما هو الفرق بين هذه العنايات ليقال بأنّ العناية في الاحتمال الأوّل على خلاف الأصل ؛ لأنّ الأصل عدم التقدير بينما العناية في الاحتمالين الآخرين لا تكون على خلاف الأصل ، مع أنّها مخالفة لظاهر الحديث من كون الرفع منصبّا على الموضوع الخارجي بوجوده الخارجي لا التشريعي والتنزيلي.
كان الجواب : أنّه يوجد فرق بين العناية الموجودة في الاحتمالين الثاني والثالث ، وبين العناية في الاحتمال الأوّل.
ووجه الفرق : أنّ الحديث وإن كان ظاهره النظر إلى الموضوع الخارجي بما هو موجود في الخارج ، إلا أنّ هذا الظهور يجب رفع اليد عنه ؛ لأنّه غير مراد للمتكلّم جدّا ، فإنّ بعض هذه الأمور لا يمكن رفعها حقيقة ، فإنّ شرب الخمر أو صدور البيع الذي يقع في الخارج عن إكراه أو اضطرار أو نسيان أو خطأ موجود حقيقة ، فكيف يرفعه الشارع حقيقة أيضا؟
وبتعبير آخر : أنّ الشارع لا يريد إخبارنا عن أنّ شرب الخمر المضطرّ إليه الواقع من الإنسان ليس موجودا ، بل مرتفع حقيقة ، إذ لو كان مراده ذلك لكان مخالفا للواقع ؛ لأنّ شرب الخمر متحقّق منه فكيف يخبر عنه بأنّه مرتفع وغير متحقّق؟ فحمل الشارع على الإخبار بعيد هنا ، ولذلك يحمل قوله على الإنشاء والتشريع وحينئذ فيكون تفسير الرفع بنحو يتلاءم مع عالم التشريع ، إمّا بارتفاع الموضوع تشريعا أو بتنزيله منزلة العدم تشريعا ممّا يساعد عليه نفس صدور الحديث من الشارع بما هو