صدور البيع هو تحقّق النقل والانتقال ، فيكون ناظرا إلى المحمول أو عقد الحمل ، فيكون حاكما على أدلّة الأحكام الأوّليّة ؛ لأنّه يرفع الحكم عن الموضوع الخارجي مباشرة ، فهو نظير قوله : « لا ضرر ولا ضرار في الإسلام » الحاكم على أدلّة الأحكام الأوّليّة عند وجود الضرر ، بمعنى أنّه لا حكم ضرري في الإسلام ، فالمنتفي هنا هو الحكم ابتداء.
وأمّا الاحتمال الثاني الذي كانت العناية فيه أنّ الموضوع الخارجي ليس ثابتا شرعا وإن كان ثابتا تكوينا ، بمعنى أنّ شرب الخمر المضطرّ إليه أو صدور البيع المكره عليه ليس هو الموضوع شرعا لحرمة شرب الخمر أو لتحقّق النقل والانتقال ، فهنا يكون النظر إلى عقد الحمل أيضا ، ولكن بصورة غير مباشرة فالحرمة ليست ثابتة شرعا ؛ لأنّه لم يتحقّق موضوعها شرعا ؛ لأنّ الموضوع الشرعي للحرمة هو شرب الخمر اختيارا لا اضطرارا ، وعن علم لا عن الجهل وهكذا.
وهذا نظير قوله : « لا رهبانيّة في الإسلام » بمعنى أنّ هذا الموضوع الموجود في الخارج وهو الترهّب ليس ثابتا شرعا فحكمه غير ثابت أيضا.
والظاهر أنّ أبعد الاحتمالات الثلاثة الاحتمال الأوّل ؛ لأنّه منفي بأصالة عدم التقدير.
فإن قيل : كما أنّ التقدير عناية كذلك توجيه الرفع إلى الوجود التشريعي مثلا.
كان الجواب : أنّ هذه عناية يقتضيها نفس ظهور حال الشارع في أنّ الرفع صادر منه بما هو شارع وبما هو إنشاء لا إخبار ، بخلاف عناية التقدير فإنّها خلاف الأصل حتّى في كلام الشارع بما هو مستعمل.
التحقيق في هذه الاحتمالات : بعد أن ذكرنا الاحتمالات المتصوّرة لتفسير العناية نأتي للحديث عن العناية الصحيحة من بين هذه الاحتمالات ، فنقول :
أمّا الاحتمال الأوّل فالظاهر أنّه أبعد الاحتمالات الثلاثة ؛ وذلك لأنّه يستلزم تقدير محذوف وهو كلمة حكم أو المؤاخذة بخلاف العنايتين الأخريين ، فإنّهما لا تقدير فيهما ، وهنا تجري أصالة عدم الحذف والتقدير ، فإنّ المتكلّم عند ما يكون في مقام البيان والتفهيم فالظاهر من حاله أنّه يذكر في كلامه كلّ ما هو دخيل في مراده الجدّي من دون حذف أو تقدير.