ولا شكّ في أنّ دليل الرفع على الاحتمالات الثلاثة جميعا يعتبر حاكما على أدلّة الأحكام الأوّليّة باعتبار نظره إليها ، وهذا النظر : إمّا أن يكون إلى جانب الموضوع من تلك الأدلّة كما هو الحال على الاحتمال الثالث ، فيكون على وزان « لا ربا بين الوالد وولده ».
أو يكون إلى جانب المحمول أي الحكم مباشرة كما هو الحال على الاحتمال الأوّل فيكون على وزان « لا ضرر ».
أو يكون إلى جانب المحمول ولكن منظورا إليه بنظر عنائي ، كما هو الحال على الاحتمال الثاني ؛ لأنّ النظر فيه إلى الثبوت التشريعي للموضوع ، وهو عين الثبوت التشريعي للحكم ، فيكون على وزان « لا رهبانيّة في الإسلام ».
في بيان حكومة حديث الرفع على الأحكام الأوّليّة :
ثمّ إنّ حديث الرفع على الاحتمالات الثلاثة المذكورة في تفسير العناية يكون حاكما على أدلّة الأحكام الأوّليّة عند تحقّق أحد هذه العناوين المأخوذة في لسانه ، ووجه الحكومة كونه ناظرا إلى موضوعها أو إلى محمولها ، فإنّ ملاك الحكومة هو أن يكون الدليل الحاكم ناظرا إلى الدليل المحكوم إمّا إلى موضوعه وإمّا إلى محموله ، فيكون لسانه موسّعا أو مضيّقا.
وتوضيح ذلك في مقامنا أن يقال : إنّ الاحتمال الثالث في تفسير العناية كان مفاده الرفع التعبّدي والتنزيلي لهذه الأشياء فهي موجودة واقعا ، إلا أنّها شرعا وادّعاء ليست موجودة ، فشرب الخمر أو صدور البيع في الخارج ينزل منزلة العدم شرعا ، وهذا يعني أنّ حديث الرفع ناظر إلى الموضوع وينزله منزلة العدم ، فيكون حاكما على أدلّة الأحكام الأوّليّة من باب نظره إلى عقد الوضع ؛ نظير قوله : « لا ربا بين الوالد وولده » ، فإنّه حاكم على أدلّة حرمة الربا باعتباره أنّه ينزل الربا الموجود في الخارج بين الوالد والولد منزلة العدم ، وكأنّ الموضوع للحرمة غير موجود في الخارج ، فيكون الحكم منتفيا لانتفاء موضوعه.
وأمّا الاحتمال الأوّل في تفسير العناية والذي مفاده رفع شيء مقدّر كالمؤاخذة أو الحكم أو الآثار فهو لا ينفي الموضوع ، وإنّما ينظر إلى ما يترتّب على هذا الموضوع شرعا وينفيه ، ومن الواضح أنّ ما يترتّب على شرب الخمر هو الحرمة ، وما يترتّب على