الأوّل : أن يكون المرفوع أمرا مقدّرا يقبل الرفع الحقيقي كعنوان المؤاخذة والعقاب ، فيكون المراد أنّ الخطأ مثلا مرفوع حكمه والمؤاخذة عليه ، والفعل المضطرّ إليه لا عقاب عليه
ولا مؤاخذة ، وهكذا.
الثاني : أن يكون المرفوع نفس الأشياء لكن لا بوجودها التكويني الخارجي بل بوجودها التشريعي ، فالفعل المضطرّ إليه مرفوع لا بنفسه إذ هو واقع من المكلّف حقيقة ، وإنّما هذا الفعل مرفوع في عالم التشريع أي أنّه في عالم التشريع لا يكون هذا الفعل المضطرّ إليه ثابتا ، وعدم ثبوته في عالم التشريع إمّا أنّه ليس موضوعا للحكم أو ليس متعلّقا له.
وتوضيحه : أنّ شرب الخمر متعلّق للحرمة ، أي أنّ الحرمة في عالم التشريع تعلّقت بشرب الخمر ، ولكن شرب الخمر المضطرّ إليه أو المكره عليه ليس متعلّقا للحرمة شرعا ، وصدور البيع في الخارج بنحو الإكراه والاضطرار ليس موضوعا شرعا للحكم بالنقل والانتقال ، وإنّما الموضوع هو البيع الصادر اختيارا.
وهذا اللسان من رفع الموضوع أو المتعلّق للحكم يرجع في حقيقته إلى رفع الحكم أيضا ، بمعنى أنّ صدور البيع أو شرب الخمر عن إكراه أو اضطرار لا يوجب تحقّق الحكم الشرعي المترتّب على البيع وشرب الخمر اختيارا. نظير ما يقال : إنّه لا رهبانية في الإسلام ، أي أنّه لا يشرّع هذا الموضوع.
الثالث : أن يكون المرفوع نفس الأشياء بوجودها التكويني ، ولكنّ الرفع لا يكون حقيقيّا وإنّما تعبّدي وتنزيلي ، فشرب الخمر المضطرّ إليه وصدور البيع المكره عليه ليسا موجودين في الخارج تعبّدا وتنزيلا ، أي أنّ الشارع نزّل هذا الفعل منزلة العدم وكأنّه لم يصدر أصلا ، ولذلك فلا تترتّب عليه الآثار الشرعيّة من الحرمة أو الحدّ أو النقل والانتقال.
والحاصل : أنّ العناية يمكن تصويرها بأحد هذه الوجوه :
إمّا بتقدير محذوف يتلاءم مع هذه الأشياء كالحكم أو المؤاخذة.
وإمّا بالرفع التشريعي أي أنّ هذا الموجود ليس هو موضع أو متعلّق الحكم شرعا.
وإمّا بالرفع التنزيلي أي أنّ هذا الموجود كالمعدوم فكأنّه لم يصدر في الخارج.