الرواية الثانية : الحديث المشهور بحديث الرفع ، والاستدلال به على البراءة بفقرة « وما لا يعلمون » ، والبحث يقع في عدّة مراحل كلّها ترتبط بالاستدلال وهي :
المرحلة الأولى : في فقه الحديث على وجه الإجمال ، والنقطة المهمّة في هذه المرحلة تصوير الرفع الوارد فيه ، فإنّه لا يخلو عن إشكال ؛ لوضوح أنّ كثيرا ممّا فرض رفعه في الحديث أمور تكوينيّة ثابتة وجدانا ، ومن هنا كان لا بدّ من بذل عناية في تصحيح هذا الرفع.
المرحلة الأولى في فقه الحديث عموما وإجمالا ، فإنّ هذا الحديث اشتمل على عدّة أمور أكثرها أمور تكوينيّة موجودة في الخارج وجدانا ، كالخطأ والنسيان والفعل المكره أو المضطرّ ، واشتمل على أمور ليست تكوينيّة كالنسيان وما لا يعلمون ، ونسب الرفع إلى الجميع بسياق واحد ، ومن هنا قد يستشكل في معنى الرفع المقصود هنا ، إذ كيف يمكن تصوير رفع الفعل الموجود في الخارج بالوجدان؟
ولذلك لا بدّ من توضيح المراد بالرفع بنحو يتلاءم مع جميع الفقرات الموجودة في هذا الحديث ، وهذا لا يتمّ إذا حمل الرفع على معناه الحقيقي ، إذ الشيء الموجود في الخارج لا يرتفع بمجرّد تشريع ارتفاعه ، فلا بدّ من عناية لتصحيح الرفع ، ولذلك نقول :
وذلك إمّا بالتقدير بحيث يكون المرفوع أمرا مقدّرا قابلا للرفع حقيقة كالمؤاخذة مثلا.
وإمّا بجعل الرفع منصبّا على نفس الأشياء المذكورة ، ولكن بلحاظ وجودها في عالم التشريع بالنحو المناسب من الوجود لموضوع الحكم ومتعلّقه في هذا العالم ، فشرب الخمر المضطرّ إليه يرفع وجوده التشريعي بما هو متعلّق للحرمة ، وروح ذلك رفع الحكم.
وإمّا بصبّ الرفع على نفس الأشياء المذكورة بوجوداتها التكوينيّة ، ولكن يفترض أنّ الرفع تنزيلي وليس حقيقيّا ، فالشرب المذكور نزّل منزلة العدم خارجا ، فلا حرمة ولا حدّ.
وهذه العناية المصحّحة يمكن تصويرها بأحد وجوه ثلاثة :