وثانيا : أنّه يوجد قرينة على اختصاص « رفع ما لا يعلمون » بالشبهة الحكميّة دون الموضوعيّة ؛ وذلك لأنّ الحكم إذا شكّ فيه فيصدق عنوان « رفع ما لا يعلمون » ؛ لأنّ المرفوع هو الحكم والمشكوك وغير المعلوم هو الحكم أيضا ، فالرفع حقيقي ، وأمّا الموضوع فلا يشكّ فيه من ناحية وجوده إذ المفروض وجود الموضوع في الخارج ، وإنّما يشكّ فيه من ناحية كونه عنوانا للجعل الكلّي ، أي هل هو موضوع أو متعلّق لذلك الجعل الكلّي أم لا؟ وإلا فهو بنفسه ممّا لا يشكّ فيه ؛ لأنّه موجود فعلا في الخارج فإسناد الرفع إليه باعتبار عنوانه لا باعتبار نفسه وذاته ، وهذا رفع عنائي.
والصحيح عدم صحّة هذين الادّعاءين.
أمّا الأوّل فلأنّ وحدة السياق لا تنثلم حتّى لو كان المراد من اسم الموصول الشبهة الحكميّة أيضا ؛ وذلك لأنّنا قلنا : إنّ اسم الموصول مستعمل في معناه العامّ والمبهم وهو عنوان الشيء مثلا ، وهذا العنوان موجود في جميع الفقرات ، غاية الأمر أنّ المراد الجدّي كان مختلفا فيها ، وهذا لا يضرّ بالاستعمال ؛ لأنّه لا ينظر إلى عالم الصدق الخارجي وإنّما ينظر إلى عالم المفاهيم والصور الذهنيّة والمفروض وحدة الموصول هناك.
وأمّا الثاني فيرد عليه أنّ الموضوع الموجود في الخارج وإن كان موجودا فعلا وغير مشكوك إلا أنّه من ناحية أخرى غير معلوم ؛ إذ العنوان التفصيلي مشكوك وهذا كاف لتحقّق عدم العلم ، فيصدق الرفع على الموضوع بهذا اللحاظ.
مضافا إلى أنّ المراد هنا كما تقدّم إمّا الشيء وإمّا التكليف وكلاهما يصدق على الحكم وعلى الموضوع.
أمّا عنوان الشيء فواضح ؛ لأنّ الحكم والموضوع يصدق عليهما عنوان الشيء ، وأمّا عنوان التكليف فلأنّ الحكم تكليف بمعنى الجعل الكلّي ، والموضوع تكليف بمعنى المجعول الجزئي كما تقدّم.
وبهذا ظهر أنّه لا يوجد في الحديث قرينة تخصّص إطلاق الحديث بإحدى الشبهتين ، فالحديث يشمل كلا الموردين بإطلاقه.
وبهذا ينتهي الكلام عن حديث الرفع.