الواحد إذا كان مشتملا على خصوصيّتين إحداهما مشكوكة والأخرى معلومة ، ولذلك نقول :
وهذا التبعيض في تطبيق البراءة العقليّة معقول وصحيح ، بينما لا يطّرد في البراءة الشرعيّة ؛ لأنّها مفاد دليل لفظيّ وتابعة لمقدار ظهوره العرفي ، وظهوره العرفي لا يساعد على ذلك.
فإن قيل : إنّ لازم هذا القول التبعيض في جريان البراءة حتّى بلحاظ الفرد الواحد ، وهو غير معقول في نفسه.
كان الجواب : أنّ التبعيض في البراءة العقليّة معقول وصحيح ؛ وذلك لأنّ موضوعها مبني على الدقّة العقليّة لا على المسامحة العرفيّة ، بمعنى أنّ العقل إذا أدرك البيان في شيء فإنّه يحكم باستحقاق العقاب على مخالفته ؛ لأنّه يكون منجّزا ، وإذا أدرك أنّه لا بيان في هذا المورد فيحكم بالبراءة والتأمين.
فحكم العقل تابع لإدراك الموضوع وهو ناشئ من ثبوت حقّ الطاعة وعدم ثبوته المترتّب على وجود البيان وعدمه.
ولذلك تكون الموضوعات بالنسبة للأحكام العقليّة بمثابة العلل ، وحيث إنّه في هذا الفرد يوجد خصوصيّتان إحداهما مشكوكة إذا نظرنا إليه بنفسه والأخرى معلومة إذا نظرنا إليه بما هو فرد للجامع المعلوم والمنجّز ، فلا محالة يستتبع ذلك حكم العقل بالبراءة بلحاظ الجهة المشكوكة ، وبالتنجيز أو عدم التأمين بلحاظ الجهة المعلومة.
فالتبعيض هو المتعيّن والصحيح.
وأمّا البراءة الشرعيّة فلا يعقل فيها التبعيض هنا ، بل هي إمّا أن تجري بلحاظ كلتا الخصوصيّتين وإمّا أن لا تجري كذلك ، والوجه هو أنّ البراءة الشرعيّة مجعولة بدليل شرعي لفظي كالآيات والروايات فيكون مفادها ودائرتها محدّدة بحدود ما لهذا الدليل من ظهور عرفي ، وعليه فلا بدّ أن نعرف ما هو هذا الظهور العرفي؟ وهل هو مبني على الدقّة في ملاحظة الخصوصيّات أو على المسامحة؟
والجواب : أنّ الظهور العرفي مبني على المسامحة وعدم الدقّة والتحليل ، بمعنى أنّ العرف إذا نظر إلى الفرد في مثالنا إمّا أن يحكم بجريان البراءة والتأمين وإمّا ألاّ يحكم بذلك ، من دون التفصيل بين كون هذا الفرد فيه خصوصيّتان إحداهما مشكوكة