الأصول الترخيصيّة الشرعيّة وتساقطها يحكم العقل بالتنجيز ؛ لأنّ كلّ طرف في نفسه مشكوك ومحتمل التكليف ، واحتمال التكليف بنفسه منجّز ما لم يصدر الترخيص ، والمفروض أنّ الترخيص لم يثبت بسبب التعارض والتساقط.
ويمكننا أن نجعل هذا المورد من الشواهد والقرائن المنبّهة على بطلان قاعدة قبح العقاب بلا بيان ؛ لأنّه يوجد اتّفاق عرفي ومتشرّعي على أنّه في موارد العلم الإجمالي تجب الموافقة القطعيّة.
نعم ، إذا نشأ العلم الإجمالي من شبهة موضوعيّة تردّد فيها مصداق قيد من القيود المأخوذة في الواجب بين فردين وجبت الموافقة القطعيّة حتّى على المسلك المذكور ، كما إذا وجب إكرام العالم وتردّد العالم بين زيد وخالد ، فإنّ كون الإكرام إكراما للعالم قيد للواجب فيكون تحت الأمر وداخلا في العهدة ، ويشكّ في تحقّقه خارجا بالاقتصار على إكرام أحد الفردين ، ومقتضى قاعدة أنّ الشغل اليقيني يستدعي الفراغ اليقيني وجوب الاحتياط حينئذ.
هذا كلّه فيما يتعلّق بالأمر الأوّل.
يبقى مطلب : وهو أنّ وجوب الموافقة القطعيّة لا يمكن تخريجها على مسلك قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، إلا أنّ هذا لا يشمل جميع الشبهات الحكميّة والموضوعيّة ، بل يختصّ في الشبهات الحكميّة وبعض الشبهات الموضوعيّة ؛ إذ يوجد بعض الشبهات الموضوعيّة المقرونة بالعلم الإجمالي تجب فيها الموافقة القطعيّة حتّى على مسلك المشهور ، وذلك فيما إذا كان الشكّ في الشبهة الموضوعيّة دائرا بين فردين أو أكثر وكان الحكم المعلوم بالإجمال مقيّدا بقيد قد اشتغلت به الذمّة يقينا ، بحيث يكون الشكّ في كون أحد الفردين هو المحقّق لمصداق هذا القيد خارجا.
ومثاله : ما إذا علمنا بوجوب إكرام العالم فهنا الحكم المعلوم هو وجوب الإكرام المقيّد بقيد ، وهذا القيد هو كون الإنسان الذي يجب إكرامه عالما ، فإذا شككنا في مصداق هذا القيد بين فردين في الخارج فهل زيد هو العالم ليجب إكرامه ويكون إكرامه محقّقا للأمر ومفرّغا للذمّة بما اشتغلت به أو هو خالد؟
فهنا يجب الموافقة القطعيّة بإكرام كلا الفردين ؛ وذلك لأنّ الخصوصيّة وهي ( كون الإنسان عالما ) قد اشتغلت بها الذمّة يقينا ، فلكي يتحقّق الفراغ اليقيني لا بدّ من