النجس طهارة واقعيّة غير معلومة بالتفصيل ، ولا تضادّ بين الحكمين الواقعي والظاهري كما تقدّم في محلّه.
ومنه يعلم : أنّه لو لم تكن النجاسة الفعليّة معلومة أصلا أمكن أيضا إجراء استصحاب النجاسة في كلّ إناء ما دامت أركانه تامّة فيه ، ولا ينافي ذلك العلم إجمالا بطهارة بعض الأواني وارتفاع النجاسة عنها واقعا ؛ لأنّ المنافاة : إمّا أن تكون بلحاظ محذور ثبوتي بدعوى المنافاة بين الأصول المنجّزة للتكليف والحكم الترخيصي المعلوم بالإجمال ، أو بلحاظ محذور إثباتي وقصور في إطلاق دليل الأصل.
ذكرنا أنّه إذا كان لدينا إناءان حالتهما السابقة النجاسة ثمّ علمنا إجمالا بنجاسة أحدهما ، فإنّ الأصول المنجّزة كالاستصحاب تجري فيهما معا ولا محذور في ذلك لا ثبوتا ولا إثباتا.
وهنا صورة أخرى وهي أن يكون لدينا إناءان حالتهما السابقة النجاسة أيضا ثمّ نعلم إجمالا بطهارة أحدهما ، فهنا أيضا تجري الأصول المنجّزة كالاستصحاب ولا محذور في ذلك لا ثبوتا ولا إثباتا.
وبتعبير آخر : إنّ العلم بطهارة أحد الإناءين إجمالا لا يمنع من جريان الاستصحاب المنجّز في كلا الطرفين ما دامت أركانه تامّة فيهما.
وقد يقال : إنّ العلم بطهارة أحد الإناءين إجمالا يتنافى مع استصحاب النجاسة فيهما ؛ لأنّنا نقطع بارتفاعها عن أحدهما فكيف يحكم بنجاستهما معا؟
وهذه المنافاة تارة يقال بوجودها بلحاظ عالم الثبوت وأخرى يقال بوجودها بلحاظ عالم الإثبات ، بمعنى أنّه يوجد تضادّ بين الحكم الواقعي المعلوم بالإجمال وهو طهارة أحد الإناءين ، وبين الحكم بنجاسة كلا الإناءين ؛ لأنّه سوف يجتمع وصفا الطهارة والنجاسة على الإناء الطاهر واقعا ، وهما حكمان وضعيّان متضادّان يستحيل اجتماعهما على موضوع واحد ، وهذا محذور بلحاظ عالم الثبوت.
أو يقال : إنّ أدلّة الأصول المنجّزة كالاستصحاب مثلا قاصرة عن الإطلاق والشمول للفرد الطاهر واقعا ؛ لأنّه ما دام معلوم الطهارة فلا يرفع اليد عنه إلا بالعلم بنجاسته ، وهنا لا علم لنا بنجاسته فلا تشمله أدلّة الاستصحاب ، وبالتالي لا تجري إلا