ويعني ذلك أنّ المحذور يندفع برفع اليد عن إطلاق الأصل في كلّ طرف ، ولا يتوقّف دفعه على إلغاء الأصل رأسا. ولا شكّ في أنّ رفع اليد عن شيء من مفاد الدليل لا يجوز إلا لضرورة ، والضرورة تقدّر بقدرها ، فلما ذا لا نجري الأصل في كلّ من الطرفين ولكن مقيّدا بترك الآخر؟
ثمّ إنّ هناك اعتراضا مشهورا وجّهه المحقّق العراقي إلى هذا البرهان ، وحاصله أن يقال : إنّنا إذا قلنا بمسلك الاقتضاء كانت منجّزيّة العلم الإجمالي لوجوب الموافقة القطعيّة معلّقة على جريان الأصول الترخيصيّة في تمام الأطراف ؛ لأنّ جريانها يستلزم الوقوع في المخالفة القطعيّة المحرّمة قطعا ، فلا بدّ من رفع اليد عنها لئلاّ يلزم المحذور ، فيجوز رفع اليد عن إجراء الأصول في تمام الأطراف.
ثمّ بعد ذلك يقال : إنّ جريان الأصول في البعض دون الآخر ترجيح بلا مرجّح ، أو يقع التعارض بين إطلاق دليل الأصل لهذا الطرف مع إطلاقه لسائر الأطراف ، فيؤول الأمر إلى التساقط ، وينتج عدم جريان الأصول في بعض الأطراف.
إلا أنّ هذا غير صحيح ؛ وذلك لأنّ دليل الأصل الترخيصي كحديث الرفع مثلا له نحوان من الإطلاق :
الأوّل : الإطلاق الإفرادي ، أي شموله لكلّ فرد فرد ، ولكلّ طرف من أطراف العلم الإجمالي في نفسه.
الثاني : الإطلاق الأحوالي ، أي شموله لهذا الفرد والطرف في كلّ الحالات سواء شمل الطرف والفرد الآخر أم لا ، وسواء ارتكب الطرف الآخر أم لا.
وعليه ، فالمحذور إنّما يلزم فيما إذا كان الأصل شاملا لكلّ فرد في جميع حالاته أي سواء ارتكب الآخر أم لا ؛ لأنّه إذا كان شاملا للفرد مطلقا كان لازمه أنّ كلّ فرد فيه أصل مؤمّن في نفسه ، وثابت حتّى مع جريانه في الفرد الآخر فيلزم منه المحذور المذكور.
وبتعبير آخر : أنّ محذور الوقوع في المخالفة نشأ من الأخذ بالإطلاق الأحوالي لدليل الأصل ، والذي يعني أنّه مطلق وفي جميع الحالات ؛ والتي منها حالة الترخيص وارتكاب الآخر.
وأمّا إذا رفعنا اليد عن الإطلاق الأحوالي ، وقلنا : إنّ دليل الأصل وإن كان يشمل