ومنه يتّضح أنّه بناء على مسلك الاقتضاء لا يكون العلم الإجمالي موجبا لتنجيز وجوب الموافقة القطعيّة ما دامت منجّزيّته لذلك معلّقة على تعارض الأصول وتساقطها في جميع الأطراف ، وعلى كون الأخذ بالبعض ترجيحا بلا مرجّح ؛ لأنّه يعقل الشمول لبعض الأطراف من دون محذور.
وهذا يعتبر نقضا ومنبّها أيضا على بطلان الاقتضاء وعلى صحّة مسلك العلّيّة ؛ لأنّه على الأوّل لا تجب الموافقة القطعيّة بينما على الثاني تكون واجبة ، والمفروض أنّ الوجدان والعرف يقضيان بوجوبها كما هو مسلّم حتّى عند القائلين بالاقتضاء أيضا.
وقد أجيب على هذا الاعتراض بوجوه :
الأوّل : ما ذكره السيّد الأستاذ (١) من أنّ الجمع بين الترخيصين المشروطين المذكورين وإن كان لا يؤدّي إلى الترخيص في المخالفة القطعيّة ، ولكنّه يؤدّي إلى الترخيص القطعي في المخالفة الواقعيّة ، وذلك فيما إذا ترك الطرفين معا ، وهو مستحيل.
الجواب الأوّل : ما ذكره السيّد الخوئي في الدراسات ، وحاصله : أنّ المخالفة القطعيّة للمعلوم بالإجمال على نحوين :
الأوّل : المخالفة القطعيّة العمليّة ، من قبيل ارتكاب كلا الإناءين المعلوم نجاسة أحدهما ، فإن ارتكابهما معا مخالفة قطعيّة عمليّة ، ولذلك لا تجري الأصول الترخيصيّة فيهما معا ؛ لأنّها تؤدّي إلى المخالفة العمليّة.
الثاني : المخالفة القطعيّة الالتزاميّة ، وهي الترخيص القطعي في ارتكاب كلا الإناءين ، وذلك بأن يرخّص الشارع في ارتكابهما سواء ارتكبهما المكلّف أم لا ، فإنّ نفس صدور مثل هذا الترخيص مستحيل ؛ لأنّه ترخيص في المخالفة والاعتقاد بذلك مستحيل كالسابق ؛ لأنّ الترخيص في نفسه غير معقول سواء أدّى إلى المخالفة أم لا.
بعد أن اتّضح ذلك نقول : إنّ ما ذكره المحقّق العراقي من شمول الأصول الترخيصيّة لبعض الأطراف بنحو يكون شمولها لكلّ طرف في نفسه مشروطا ومقيّدا بترك الآخر وعدم ارتكابه ، إنّما يرفع المخالفة القطعيّة العمليّة فقط ؛ وذلك لأنّه
__________________
(١) مصباح الأصول ٢ : ٣٥٥.