وعليه ، فلا ملازمة بين التعبّد بالعلّة وبين التعبّد بالمعلول ، بل يمكن التعبّد بأحدهما دون الآخر ؛ لأنّ التعبّد يتحدّد بالمقدار المدلول عليه بالدليل لا أزيد.
وفي مقامنا الدليل يعبّدنا بثبوت العلّة أي العلم ، وأمّا المعلول فلا يعبّدنا بوجوده ، فلا يوجد دليل على وجوده لا حقيقة ـ كما هو واضح إذ لا علم وجداني ـ ولا تعبّدا ؛ لأنّه غير مأخوذ في الدليل.
وأمّا الملازمة بين العلّة والمعلول فهي ملازمة تكوينيّة واقعيّة حقيقيّة ، فيحكم العقل بها عند وجود العلّة تكوينا واقعا ، وأمّا إذا لم توجد العلّة واقعا وتكوينا فالعقل لا يحكم بها.
مضافا إلى إمكان التفكيك بين العلّة والمعلول في باب التعبّد في غير الآثار الشرعيّة كما في الآثار التكوينيّة أو العقليّة ، فثبوت حياة زيد تعبّدا لازمها التكويني نبات لحيته إلا أنّه لا يثبت ، بينما يثبت لازمها الشرعي من قبيل عدم بينونة زوجته وعدم جواز تقسيم تركته ، وكذا الحكم بصحّة الوضوء على أساس الفراغ فإنّه تصحيح للصلاة التي أتمّها ، وأمّا الصلاة الآتية فلا يكفي فيها هذا الوضوء بل لا بدّ من تجديده.
أضف إلى ذلك : أنّ التعبّد بالانحلال لا معنى له ولا أثر ؛ لأنّه إن أريد به التأمين بالنسبة إلى الفرد الآخر بلا حاجة إلى إجراء أصل مؤمّن فيه فهذا غير صحيح ؛ لأنّ التأمين عن كلّ شبهة بحاجة إلى أصل مؤمّن حتّى ولو كانت بدوية.
ويرد عليه ثانيا : أنّ التعبّد بالانحلال في مقامنا لغو لا فائدة ولا أثر له ؛ وذلك لأنّه : إن أريد بالتعبّد بالانحلال ثبوت التأمين بالنسبة للفرد الآخر من دون إجراء أصل مؤمّن فيه ، اكتفاء بقيام الأمارة على ثبوت التكليف في الطرف الأوّل ، على أساس الملازمة بين ثبوت التكليف في هذا الطرف وارتفاعه عن ذاك ؛ لأنّ العلم الإجمالي علم بثبوت تكليف بين هذين الطرفين لا أكثر ، فهذه الملازمة عقليّة فيكون المورد من الأصل المثبت وهو ليس حجّة.
مضافا إلى أنّ إثبات التأمين لا يكون بالملازمة لو سلّم جريانها هنا ؛ لأنّه يشترط في كلّ شبهة حتّى لو كانت الشبهة بدوية أن يكون هناك أصل مؤمّن ثابت في مورد الشبهة بالمطابقة ، وإلا لكانت منجّزة باحتمال التكليف فيها.
وحينئذ تقع المعارضة بين حكم العقل بتنجّز التكليف بالاحتمال وبين حكم العقل