إليه ؛ لأنّ التكليف الفعلي يشترط فيه عدم الاضطرار ؛ لأنّه مع الاضطرار لا يكون قادرا على تركه.
فجعلوا مقامنا كالمقام السابق ، أي جعلوا الاضطرار إلى الترك وعدم القدرة على الارتكاب ـ كما هنا ـ كالاضطرار إلى الفعل والارتكاب ـ كما هناك ـ لأنّ كلاّ منهما يسلب قدرة المكلّف ، غاية الأمر أنّه هنا يكون مسلوب القدرة على الفعل بينما هناك يكون مسلوب القدرة على الترك ، إلا أنّهما معا يحقّقان مصداقا لعدم القدرة ، وحيث إنّ التكليف الفعلي شرطه القدرة فمع انتفائها ينتفي ، فيدور الأمر في الموردين بين ثبوت التكليف على أحد التقديرين وعدم ثبوته على التقدير الآخر ، ولذلك لا يكون علما بجامع التكليف على كلّ تقدير وفي جميع الحالات ، بل على بعض التقادير ، وحيث إنّ هذا البعض غير معلوم فتجري فيه الأصول الترخيصيّة بلا محذور.
والتحقيق : أنّ الاضطرارين يتّفقان في نقطة ويختلفان في أخرى :
فهما يتّفقان في عدم صحّة توجّه النهي والزجر معهما ، فكما لا يصحّ أن يزجر المضطرّ إلى شرب المائع عن شربه ، كذلك لا يصحّ أن يزجر عنه من لا يقدر على شربه ، وهذا يعني أنّه لا علم إجمالي بالنهي في كلتا الحالتين.
والصحيح أنّ هذا التقريب غير تامّ للفارق بين مقامنا وبين المقام السابق من جهة رغم اتّفاقهما من جهة أخرى.
فالاضطرار إلى الارتكاب يشترك مع الاضطرار إلى الترك في جهة ويختلف معه من جهة أخرى.
أمّا الجهة التي يشتركان فيها فهي عدم صحّة توجّه النهي إلى كلا المضطرّين.
فالمضطرّ إلى شرب الإناء النجس المعيّن لا يصحّ توجيه النهي إليه وخطابه بالزجر عنه ؛ لأنّ المضطرّ لا تكليف بحقّه أي أنّ التكليف مرتفع عنه وساقط لا يصحّ توجّهه إليه ؛ لأنّه سوف يفعل لا محالة ، فزجره عنه لا فائدة منه لأنّه لن ينزجر تكوينا ، فلا يكون لخطاب النهي محرّكيّة أصلا.
وكذلك الحال في المضطرّ إلى ترك النجس ، فإنّه لا يصحّ زجره عن ارتكابه وخطابه بحرمة الارتكاب ؛ لأنّه سوف يتركه ويجتنبه تكوينا ؛ لأنّه غير قادر على