والعلم الإجمالي كما يكون منجّزا بلحاظ العلم بالتكليف ، كذلك يكون منجّزا بلحاظ العلم بالمبادئ وإن كان التكليف ساقطا ؛ لأنّ الأساس هو المبادئ لا مجرّد الخطاب والنهي والزجر ، إذ هذه ليست إلا مجرّد كاشف عن المبادئ ، فالمنجّزيّة تابعة لوصول المبادئ ، غاية الأمر أنّ هذه المبادئ تارة تصل بنفسها بأن اطّلع المكلّف على ما في نفس المولى ، وأخرى تصل عن طريق إبراز خطاب يكشف عنها كما هو الغالب ، إلا أنّ غالبيّة هذا القسم لا يعني انتفاء القسم الآخر وعدم منجّزيّته.
وبهذا نصل إلى أنّ الركن الأوّل محفوظ في مقامنا.
ويجب أن يفسّر عدم التنجيز على أساس اختلال الركن الثالث : إمّا بصيغته الأولى حيث إنّ الأصل المؤمّن في الطرف المقدور يجري بلا معارض ، إذ لا معنى لجريانه في الطرف غير المقدور ؛ لأنّ إطلاق العنان تشريعا في مورد تقيّد العنان تكوينا لا محصّل له. وإمّا بصيغته الثانية حيث إنّ العلم الإجمالي ليس صالحا لتنجيز معلومه على كلّ تقدير ؛ لأنّ التنجيز هو الدخول في العهدة عقلا ، والطرف غير المقدور لا يعقل دخوله في العهدة.
والتقريب الصحيح لعدم منجّزيّة العلم الإجمالي في المقام أن يقال : إنّ الركن الثالث من أركان المنجّزيّة سواء بصياغة المشهور أم بصياغة المحقّق العراقي ساقط ومنهدم.
أمّا بناء على صياغة المشهور للركن الثالث من لزوم جريان الأصول الترخيصيّة في تمام الأطراف ، فهذا الركن غير تامّ ؛ لأنّ الأصول الترخيصيّة لا تجري في الإناء الخارج عن قدرة المكلّف لبعده ، وعدم تمكّنه من الوصول إليه ؛ إذ لا فائدة من جريان الأصل فيه ولا أثر له ؛ لأنّ الأصل الترخيصي عبارة عن إطلاق العنان وجعل المكلّف طليقا غير مقيّد ، وهذا المعنى حاصل بلا حاجة إلى الأصل ؛ لأنّ المكلّف لمّا لم يتمكّن من الوصول إليه فهو طليق من ناحيته ، فيكون جريان الأصل لغوا وتحصيلا للحاصل.
وبتعبير آخر أدقّ : أنّ المكلّف أمام الإناء غير المقدور مقيّد تكوينا ، بمعنى أنّه غير متمكّن من ارتكابه فعلا ، فلا معنى لتوجيه الخطاب إليه شرعا بأنّه ( يجوز لك تركه ) ، فتجري البراءة في الإناء الموجود بلا محذور.
وأمّا بناء على صياغة المحقّق العراقي لهذا الركن من كون الأطراف غير منجّزة