القطعيّة للمعلوم إجمالا ، ولذلك يقع التعارض بين الأصول لعدم إمكان الأخذ بها جميعا ، ولعدم إمكان ترجيح بعضها على بعض من دون مرجّح.
وما قيل من أنّ الأصل الترخيصي الجاري في الطرف الفعلي لا يعارض الأصل الترخيصي في الطرف الآخر ـ لأنّه ليس فعليّا الآن في ظرف جريان الأصل الأوّل ـ غير تامّ ؛ لأنّه مبني على ملاحظة التعارض بين الأصلين بلحاظ نفس الآن الزماني ، مع أنّ التعارض بين الأصلين لا يقصد به ذلك.
بل المراد من التعارض بين الأصلين أنّه لا يمكن الأخذ بهما معا ولا يمكن ترجيح أحدهما على الآخر ، وهذا مصطلح للتعارض في باب الأصول يختلف عن مصطلح التعارض في باب المنطق والفلسفة ، فهناك يراد بالتعارض أنّه لا يمكن اجتماع شيئين على موضوع واحد من جهة واحدة في زمان واحد كالسواد والبياض ، والعلم والجهل ، والموت والحياة ، ولذلك يشترط ملاحظة الآن الزماني وكونه واحدا ليحصل التعارض.
وأمّا هنا فالمراد من التعارض بين الأصلين العمليّين الترخيصيّين أنّه لا يمكن الأخذ بهما معا ، ولا يمكن للدليل أن يشمل كلا الموردين معا ، سواء كانا في زمان واحد أم كان أحدهما متقدّما والآخر متأخّرا ؛ لأنّ عدم الإمكان واستحالة شمول الدليل لهما لا يفرّق فيها بين أنحاء وجودهما وزمانهما.
فإذا كان دليل البراءة مثلا غير شامل للطرف الآني والطرف الاستقبالي لاستلزامه المخالفة القطعيّة ، فلا يضرّ في ذلك كون أحدهما فعليّا والآخر منوطا بزمان مستقبل ؛ لأنّ الملاك موجود على كلّ تقدير.
وحينئذ لا يشترط وحدة الآن الزماني في الأصلين ، بل المناط على أنّه هل يشملهما الدليل أم لا؟ والمفروض أنّ شموله لهما يؤدّي إلى الترخيص في المخالفة القطعيّة ، فلا يشملهما إذن.
وعليه ، فيجري الأصل في هذا الطرف الآني الفعلي ، ويتعارض مع الأصل الجاري في الطرف الاستقبالي والذي يكون فعليّا بمجيء زمانه ، ومقتضى التعارض التساقط ، فيكون العلم منجّزا للطرفين.
وأمّا بناء على صياغة المحقّق العراقي فلأنّ المقصود من الركن الثالث عنده ـ والذي