مفاده أن يكون العلم الإجمالي صالحا لتنجيز معلومه على كلّ تقدير ـ هو أن يكون العلم قادرا على تنجيز المعلوم في الطرفين بلحاظ عمود الزمان ، ولا يشترط أن يكون منجّزا لمعلومه في الطرفين بلحاظ نفس الآن الزماني.
وعليه ، ففي مقامنا يكون العلم الإجمالي بوجود أيّام حيض ضمن أيّام الشهر صالحا لتنجيز الأيّام في بداية الشهر وفي وسطه وفي آخره ، كلّ طرف منها بحسب خصوصيّاته الزمانيّة ، فهو ينجّز الجميع من الآن ، غاية الأمر أنّ هذا الطرف زمانه الآن وذاك زمانه وسط الشهر والآخر زمانه آخر الشهر ، فالزمان ليس قيدا لمنجّزيّة العلم بل هو شرط لفعليّة المنجّز ، وهذا يفترض كون الشيء منجّزا قبل مجيء زمانه ، ومنجّزه هنا ليس إلا العلم الإجمالي.
والحاصل : أنّه على تقدير كون الأيّام الأولى هي الحيض فالحرمة ثابتة ، وعلى تقدير كون الأيّام في الوسط أو في الآخر هي الحيض فالتكليف ثابت ، فالعلم الإجمالي بوجود أيّام حيض صالح لتنجيز معلومه على جميع التقادير فيجب الاجتناب عن الجميع.
وهكذا يتّضح أنّ الشبهات التي حامت حول تنجيز العلم الإجمالي في التدريجيّات موهونة جدّا ، غير أنّ جماعة من الأصوليّين وقعوا تحت تأثيرها ، فذهب بعضهم (١) إلى عدم التنجيز ورخّص في ارتكاب الطرف الفعلي ما دام الطرف الآخر متأخّرا.
وبهذا ظهر أنّ الإشكالين المذكورين لمنع منجّزيّة العلم الإجمالي وسقوطه رأسا أو عن المنجّزيّة لا يتمّ شيء منهما ، فالصحيح أنّ العلم الإجمالي في التدريجيّات منجّز للطرف الآني الفعلي وللاستقبالي المتأخّر زمانا.
إلا أنّ بعض الأصوليين تأثّروا بهذه الشبهات والإشكالات ، ممّا أدّى بهم الأمر إلى إنكار وجود علم إجمالي أصلا أو إلى سقوطه عن المنجّزيّة ، وبالتالي جوّزوا ارتكاب الطرفين الفعلي الآني والطرف الآخر حين حلول زمانه ، وهذا ما حصل للشيخ الأنصاري مثلا في خصوص المقام ، وكذلك صاحب ( الكفاية ) الذي ذهب إلى عدم المنجّزيّة مطلقا لا في خصوص المرأة الحائض.
__________________
(١) منهم الشيخ الأنصاري في فرائد الأصول ٢ : ٢٤٨ ـ ٢٤٩.