وذهب البعض الآخر إلى عدم الترخيص بإبراز علم إجمالي بالجامع بين طرفين فعليّين ، كالمحقّق العراقي (١) ، إذ أجاب على شبهات عدم التنجيز بوجود علم إجمالي آخر غير تدريجي الأطراف.
وتوضيحه : أنّ التكليف إذا كان في القطعة الزمانيّة المعاصرة فهو تكليف فعلي ، وإذا كان في قطعة زمانيّة متأخّرة فوجوب حفظ القدرة إلى حين مجيء ظرفه فعلي ؛ لما يعرف من مسألة وجوب المقدّمات المفوّتة من عدم جواز تضييع الإنسان لقدرته قبل مجيء ظرف الواجب ، وهكذا يعلم إجمالا بالجامع بين تكليفين فعليّين فيكون منجّزا.
ثمّ إنّ المحقّق العراقي ذهب إلى التنجيز في المقام من باب آخر ، أي أنّه اعترف بأنّ نفس هذا العلم الإجمالي الدائر بين طرفين أحدهما فعلي والآخر استقبالي لا يكون منجّزا ؛ لما تقدّم من الإشكالين.
إلا أنّه أبرز هنا وجود علم إجمالي آخر دائر بين طرفين يكون التكليف فيهما فعليّا ، ويكون العلم الإجمالي صالحا لتنجيز معلومه فيه على كلا التقديرين.
وحاصله أن يقال : إنّ المرأة المذكورة في المثال في بداية الشهر تعلم إمّا بثبوت التكليف فعلا ؛ بأن كانت هذه الأيّام هي أيّام العادة ، وإمّا بوجوب حفظ القدرة على امتثال التكليف الثابت في الأيّام الأخرى على تقدير كون أيّام العادة في تلك الأيّام لا هذه ، ووجوب حفظ القدرة وجوب نفسي فعلي ، فيكون العلم دائرا بين تكليفين فعليّين أحدهما حرمة المكث في المسجد فعلا على تقدير كون هذه الأيّام هي أيّام الحيض ، والآخر وجوب حفظ القدرة للتكليف الاستقبالي على تقدير كون الأيّام الآتية هي أيّام العادة ، وهذا العلم منجّز إذ العلم بجامع التكليف موجود ، وهذا العلم قادر على تنجيز معلومه على كلّ تقدير.
وهذا مبني على المبنى القائل بوجوب المقدّمة المفوّتة ولزوم حفظ القدرة وعدم التعجيز إلى حين مجيء زمان الواجب ، كالسفر للوقوف في عرفة ، وكالاغتسال من الجنابة قبل الفجر لصحّة الصوم.
__________________
(١) نهاية الأفكار ٣ : ٣٢٤ ـ ٣٢٥.