يحدث فيما بعد فرع كون هذا التكليف ثابتا وفعليّا ومنجّزا على المكلّف ، إذ لو لم يكن منجّزا فلا معنى لحكم العقل بوجوب حفظ القدرة على امتثاله.
وهذا يعني أنّه في المرتبة السابقة على حكم العقل المذكور لا بدّ أن يكون التكليف الاستقبالي منجّزا ، وحينئذ نسأل عن المنجّز لهذا التكليف.
والجواب واضح : وهو أنّه لا يوجد منجّز لهذا التكليف إلا العلم الإجمالي السابق الدائر بين التكليفين الفعلي والاستقبالي ، فإن كان هو المنجّز كفى ذلك عن العلم الإجمالي الجديد ، إذ لا فائدة له ؛ لأنّه تحصيل الحاصل ، وهو لغو ، وإن لم يكن هو المنجّز كان التكليف الاستقبالي غير منجّز على المكلّف ، إذن فما هو الداعي لوجوب حفظ القدرة على امثاله ما دام غير منجّز؟!
والحاصل : أنّه إن كان هناك تكليف منجّز كان وجوب حفظ القدرة ثابتا ، وإن لم يكن التكليف منجّزا لم يكن وجوب حفظ القدرة ثابتا ، فعلى الأوّل يكفي المنجّز السابق وهو العلم الإجمالي بين التكليفين الفعلي والاستقبالي ، وعلى الثاني لا داعي للعلم الإجمالي اللاحق إذ لا أثر له.
وثالثا : أنّ المنجّز إذا كان هو العلم الإجمالي بالجامع بين التكليف الفعلي ووجوب حفظ القدرة لامتثال التكليف المتأخّر ، فهو لا يفرض سوى عدم تفويت القدرة ، وأمّا تفويت ما يكلّف به في ظرفه المتأخّر بعد حفظ القدرة فلا يمكن المنع عنه بذلك العلم الإجمالي ، وإنّما يتعيّن تنجّز المنع عنه بنفس العلم الإجمالي في التدريجيّات ، وهو إن كان منجّزا لذلك ثبت تنجيزه لكلا طرفيه.
الإيراد الثالث : أنّ العلم الإجمالي المذكور لو سلّم فهو إنّما ينجّز طرفيه فقط ، وهما وجوب التكليف الفعلي ووجوب حفظ القدرة ، بينما المطلوب لنا تنجيز التكليف الفعلي والتكليف الاستقبالي أيضا ، ولذلك لم يكن هذا العلم الإجمالي مفيدا ؛ لأنّه لا يحقّق الغرض المطلوب.
وبتعبير آخر : أنّ العلم الإجمالي المذكور ينجّز لنا حرمة المكث في المسجد فعلا ووجوب حفظ القدرة للتكليف الاستقبالي ، وأمّا نفس التكليف الاستقبالي فهو ليس منجّزا بنفس هذا العلم الإجمالي ؛ لأنّه ليس طرفا له ؛ لأنّ طرفه هو وجوب حفظ القدرة ، ولذلك إمّا أن يكون منجّزا أو ليس منجّزا ، فإن لم يكن منجّزا فلا يفيدنا