فلن يكون لدينا علم إجمالي بل الشبهة بدويّة فيتنقّح موضوع البراءة العقليّة ، وهذا واضح ولا شكّ فيه.
وأمّا بناء على المسلك المختار من حكم العقل باشتغال الذمّة والاحتياط عند احتمال التكليف ، فالحكم هنا هو البراءة أيضا ؛ وذلك لأنّ احتمال الوجوب في نفسه وإن كان منجّزا وكذا احتمال الحرمة ؛ لمنجّزيّة الاحتمال والكاشف عقلا لأنّ دائرة حقّ الطاعة واسعة وشاملة لكلّ انكشاف للتكليف.
إلا أنّ هذه المنجّزيّة لا يمكن الأخذ بها ؛ إذ الأخذ بمنجّزيّة الوجوب والحرمة معا يعني اجتماع الضدين ؛ لأنّه لا يمكن أن يكون شيء واحد واجبا وحراما ، بمعنى واجديّته لمبادئ وملاكات الوجوب والحرمة معا ، وتنجيز أحدهما دون الآخر ترجيح بلا مرجّح ؛ إذ الاحتمال الموجود فيهما على حدّ واحد ، فيتعيّن سقوطهما معا عن المنجّزيّة إذ لا يوجد حلّ آخر يصار إليه ، وبهذا يثبت الترخيص والبراءة بحكم العقل ، من جهة أنّ المنجّزيّة في المقام مستحيلة.
وبتعبير آخر : أنّ المخالفة القطعيّة مستحيلة والموافقة القطعيّة مستحيلة أيضا عمليّا ؛ لأنّه إمّا أن يفعل أو يترك فيحكم العقل بالبراءة عنها إذ لا محذور فيها حينئذ.
وأمّا باللحاظ الثاني فأدلّة البراءة الشرعيّة شاملة للمورد بإطلاقها ، وعليه فالفارق بين هذا الشكّ وما سبق من شكّ : أنّ هذا مورد للبراءة عقلا وشرعا معا حتّى على مسلك حقّ الطاعة ، بخلاف الشكّ المتقدّم.
وأمّا حكم الشرع فهو البراءة أيضا ، أي أنّ أدلّة البراءة الشرعيّة تشمل بإطلاقها هذه الصورة أيضا ؛ لأنّها من موارد الشكّ البدوي في التكليف ، فقوله ( صلىاللهعليهوآلهوسلم ) : « رفع ما لا يعلمون » يشمل كلّ تكليف غير معلوم ، سواء كان هذا التكليف المجهول دائرا بين أمرين أو ثلاثة ، فلا فرق بين الشكّ في الوجوب والإباحة أو الحرمة والترخيص ، وبين الشكّ في الوجوب والحرمة والترخيص ، في كون النحوين من الشكّ ينطبق عليهما عنوان الشك البدوي في التكليف وفي كون التكليف فيهما غير معلوم.
نعم ، يوجد فارق بين النحوين من الشكّ بناء على مسلك حق الطاعة وهو : أنّ الشكّ البدوي في الوجوب والإباحة أو الحرمة والإباحة كان موردا لأصالة الاشتغال