نعم ، هذه الشبهة حكمها ليس التنجيز من جهة العلم الإجمالي ؛ لأنّه ساقط عن المنجّزيّة ، وحينئذ بما أنّ هذه الواقعة لا منجّزيّة فيها ولا ترخيص فيها فيكون المكلّف مخيّرا بين الأمرين.
ثمّ إنّه قد أثيرت على القول الأوّل عدّة اعتراضات تمنع من جريان البراءة ، وهذه الاعتراضات على أقسام ثلاثة :
الأوّل : الاعتراضات الموجّهة على البراءة العقليّة فقط ، كالاعتراض الأوّل الآتي.
الثاني : الاعتراضات الموجّهة على البراءة الشرعيّة بشكل عامّ أي بلحاظ كلّ أدلّتها وألسنتها ، كالاعتراض الثالث.
الثالث : الاعتراضات الموجّهة على بعض ألسنة البراءة الشرعيّة.
وسوف نبحث أهمّ تلك الاعتراضات لنرى مدى صحّتها ومانعيّتها عن جريان البراءة ، أو عدم ذلك.
الأوّل : الاعتراض على البراءة العقليّة والمنع عن جريانها في المقام حتّى على مسلك قبح العقاب بلا بيان.
وتوضيحه على ما أفاده المحقّق العراقي قدّس الله روحه : أنّ العلم الإجمالي هنا وإن لم يكن منجّزا ـ وهذا يعني ترخيص العقل في الإقدام على الفعل أو الترك ـ ولكن ليس كلّ ترخيص براءة ، فإنّ الترخيص تارة يكون بملاك الاضطرار وعدم إمكان إدانة العاجز ، وأخرى يكون بملاك عدم البيان ، والبراءة العقليّة هي ما كان بالملاك الثاني.
الاعتراض الأوّل : ما ذكره المحقّق العراقي من المنع عن جريان البراءة العقليّة دون الشرعيّة ، وإن كان من المحتمل جريان البراءة الشرعيّة ونحوها من الأصول الترخيصيّة كقاعدة الحلّ والإباحة ، والأصول المرخّصة والاستصحاب النافي للتكليف ، والوجه في ذلك أن يقال : إنّ الترخيص على نحوين :
الأوّل : الترخيص بملاك عدم البيان ، وهذا ما يسمّى بالبراءة العقليّة على مسلك قاعدة قبح العقاب بلا بيان ، أو بالبراءة الشرعيّة على مسلك حقّ الطاعة ، فموضوع هذا الترخيص هو عدم البيان والعلم.
الثاني : الترخيص بملاك الاضطرار والعجز ، وهذا ما يسمّى بالتخيير بين الفعل والترك