فهناك من قال بجريانها (١) ، إذ ما دام العلم الإجمالي غير منجز فلا يمكن أن يكون مانعا عن جريان البراءة عقلا وشرعا.
وهناك من قال بعدم جريان البراءة على الرغم من عدم منجّزيّة العلم الإجمالي.
وأثيرت عدّة اعتراضات على إجراء البراءة في المقام ، ويختصّ بعض هذه الاعتراضات بالبراءة العقليّة ، وبعضها بالبراءة الشرعيّة ، وبعضها ببعض ألسنة البراءة الشرعيّة ، ونذكر فيما يلي أهم تلك الاعتراضات :
بعد أن عرفنا أنّ العلم الإجمالي في المقام غير منجّز لشيء من الوجوب والحرمة ، يطرح السؤال التالي : هل تجري البراءة العقليّة والشرعيّة عن الوجوب والحرمة المشكوكين أم لا؟
وهذا السؤال اختلفت كلمات الأصحاب في الإجابة عنه على قولين رئيسين :
١ ـ أنّ البراءة العقليّة والشرعيّة تجري في المقام ؛ لأنّ المورد من موارد الشكّ في التكليف ، وهذا الشكّ وإن كان مقرونا ابتداء بالعلم الإجمالي المانع عن جريان البراءة ونحوها من الأصول الترخيصيّة ، إلا أنّ هذا العلم الإجمالي ساقط عن المنجّزيّة بحسب الفرض ، وسقوطه كذلك يعني زوال المانع من جريان البراءة ؛ لأنّ المقتضي لجريانها موجود وهو كون الواقعة مشكوكة التكليف ، والمانع قد فرض ارتفاعه ؛ لأنّ العلم الإجمالي ساقط عن المنجّزيّة ، فلا محذور عقلا ولا إشكال شرعا في جريان البراءة في المقام.
أمّا المحذور العقلي فلم يكن إلا العلم الإجمالي المنجّز وهو هنا غير منجّز ، وأمّا المحذور الشرعي فهو غير موجود أصلا ؛ لأنّ أدلّة البراءة تشمل المقام ؛ لأنّه تكليف مشكوك.
٢ ـ أنّ البراءة العقليّة والشرعيّة لا تجري في المقام ؛ لأنّ العلم الإجمالي وإن كان ساقطا عن المنجّزيّة ولكنّه موجود حقيقة ، بمعنى أنّه غير منحلّ لتصير الشبهة بدويّة ، فالشبهة هنا لا ينطبق عليها عنوان الشكّ البدوي في التكليف فموضوع البراءة غير محرز ليقال بجريانها.
__________________
(١) منهم السيّد الخوئي كما في مصباح الأصول ٢ : ٣٢٨.