وكان رسول الله (ص) يقعد في الحجر ويقرء القرآن ، فاجتمت قريش إلى الوليد بن المغيرة فقالوا : يا أبا عبدشمس ما هذا الذي يقول محمد؟ شعر أم كهانة أم خطب؟ فقال : دعوني أسمع كلامه ، فدنا من رسول الله صلىاللهعليهوآله فقال : يا محمد أنشدني من شعرك ، قال : ما هو شعر ولكنه كلام الله الذي ارتضاه الملائكة وأنبياؤه ورسله ، فقال : اتل علي منه شيئا ، فقرأ عليه رسول الله صلىاللهعليهوآله حم السجدة ، فلما بلغ قوله : « فإن أعرضوا » يا محمد قريش « فقل » لهم « أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود » قال : فاقشعر الوليد وقامت كل شعرة في رأسه ولحيته ، ومر إلى بيته ولم يرجع إلى قريش من ذلك فمشوا إلى أبي جهل فقالوا : يا أبا الحكم إن أبا عبدشمس صبأ إلى دين محمد (١) أما تراه لم يرجع إلينا؟ فعدا أبوجهل إلى الوليد فقال له : يا عم نكست رؤوسنا وفضحتنا ، و أشمت بنا عدونا ، وصبوت إلى دين محمد ، قال : ما صبوت إلى دينه ، ولكني سمعت كلاما صعبا تقشعر منه الجلود! فقال له أبوجهل : أخطب هي ( هو خ ل )؟ قال : لا ، إن الخطب كلام متصل ، وهذا كلام منثور ولا يشبه بعضه بعضا ، قال : فشعر هو؟ قال : لا ، أما أني قد سمعت أشعار العرب بسيطها ومديدها ورملها ورجزها وما هو بشعر ، قالوا : فما هو؟ قال : دعني افكر فيه ، فلما كان من الغد قالوا له : يا أبا عبدشمس ما تقول فيما قلناه؟ قال : قولوا : هو سحر فإنه أخذ بقلوب الناس ، فأنزل الله على رسوله في ذلك : « ذرني ومن خلقت وحيدا » وإنما سمي وحيدا لانه قال لقريش : أنا أوحد بكسوة البيت سنة وعليكم في جماعكتم سنة ، وكان له مال كثير وحدائق ، و كان له عشر بنين بمكة ، وكان له عشر عبيد عند كل عبد ألف دينار يتجر بها ، وتلك القنطار في ذلك الزمان ، ويقال : إن القنطار جلد ثور مملوء ذهبا ، فأنزل الله : « ذرني ومن خلقت وحيدا » إلى قوله : « صعودا » قال : جبل يسمى صعودا ( الصعود خ ل ) « إنه فكر وقدر فقتل كيف قدر ثم قتل كيف قدر » يعني قدره ، كيف سواه وعدله « ثم نظر ثم عبس وبسر » قال : عبس وجهه وبسر ، قال لوى شدقه (٢) « ثم أدبر واستكبر فقال إن
____________________
(١) أى خرج من ديننا إلى دين محمد صلىاللهعليهوآله .
(٢) الشدق بالكسر والفتح : زاوية الفم من باطن الخدين ، يقال : لوى شدقه لمن توسع في الكلام من غير احتياط واحتراز ولمن استهزأ بالناس.