طرف الازل أيضا ، فعلى الثاني فالاشياء لحدوثها لا بد لها من صانع يتقدمها ضرورة فهذا معنى قوله : ( فقد كان ولا شئ منهما ) أي كان الصانع قبل وجود شئ منهما ، ثم أخذ صلىاللهعليهوآله في إبطال الشق الاول بأنكم إنما حكمتم بقدمها لئلا تحتاج إلى صانع ، والعقل السليم يحكم بأن القديم الذي لا يحتاج إلى صانع لا بد أن يكون مباينا في الصفات والحالات للحادث الذي يحتاج إلى الصانع ، مع أن ما حكمتم بقدمه لم يتميز عن الحادث في شئ من التغيرات والصفات والحالات ، أو المعنى أن ما يوجب الحكم في الحادث بكونه محتاجا إلى الصانع من التركب واعتوار الصفات المتضادة عليه و كونها في معرض الانحلال والزوال كلها موجودة فيما حكمتم بقدمه وعدم احتياجه إلى الصانع ، فيجب أن يكون هذا أيضا حادثا مصنوعا.
الثاني : أن يكون قوله : ( أتقولون ) إلى قوله : ( قال لهم أقلتم ) برهانا واحدا بأن يكون قوله : ( فقد وصل إليكم آخر بلا نهاية لاوله ) إبطالا للشق الاول بالاحالة على الدلائل التي اقيمت على إبطال الامور الغير المتناهية المترتبة ، بناء على عدم اشتراط وجودها معا في إجرائها كما زعمه أكثر المتكلمين ، ويكون بعد ذلك دليلا واحدا كما مر سياقه ، ويمكن أن يقرر ما قبله أيضا برهانا ثالثا على إثبات الصانع بأن يكون المراد بقوله صلىاللهعليهوآله : ( حكمتم بحدوث ما تقدم من ليل ونهار ) لبيان أن حكمهم بحدوث كل ليل ونهار يكفي لاحتياجها إلى الصانع ولا ينفعكم قدم طبيعة الزمان ، فإن كل ليل وكل نهار لحدوثه بشخصه يكفي لاثبات ذلك.
قوله صلىاللهعليهوآله
: ( وكيف اختلط هذا النور والظلمة ) إشارة إلى ما ذكره المانوية من
الثنوية وهو أن العالم مصنوع مركب من أصلين قديمين : أحدهما نور ، والآخر ظلمة ، وأنهما أبديان لم يزلا ولا يزالان ، ثم اختلفوا في المزاج وسببه فقال بعضهم : كان
ذلك
بالخبط والاتفاق ، وقال بعضهم وجوها ركيكة اخرى ، وقالوا : جميع أجزاء النور أبدا
في الصعود والارتفاع ، وأجزاء الظلمة أبدا في النزول والتسفل ، فرد النبي صلىاللهعليهوآله عليهم بأنكم إذا اعترفتم بأن النور
يقتضي بطبعه الصعود والظلمة تقتضي بطبعها النزول ولا
تعترفون بصانع يقسرهما على الاجتماع والامتزاج فمن أين جاء امتزاجهما واختلاطهما