فإن هذا من المحال الذي لا خفاء به ، لان ربنا عزوجل ليس كالمخلوقين يجئ و يذهب ويتحرك ويقابل شيئا حتى يؤتى به ، فقد سألتموه بهذا المحال ، وإنما هذا الذي دعوت إليه صفة أصنامكم الضعيفة المنقوصة التي لاتسمع ولا تبصر ولا تعلم ولا تغني عنكم شيئا ولا عن أحد ، ياعبدالله أوليس لك ضياع وجنات بالطائف وعقار بمكة وقوام عليها؟ قال : بلى ، قال : أفتشاهد جميع أحوالها بنفسك أو بسفراء بينك وبين معامليك؟ قال بسفراء ، قال : أرأيت لو قال معاملوك واكرتك وخدمك لسفرائك : لا نصدقكم في هذه السفارة إلا أن تأتونا بعبدالله بن أبي امية لنشاهده فنسمع ما تقولون عنه شفاها كنت تسوغهم هذا ، أو كان يجوز لهم عندك ذلك؟ قال : لا ، قال : فما الذي يجب على سفرائك؟ أليس أن يأتوهم عنك بعلامة صحيحة تدلهم على صدقهم يجب عليهم أن يصدقوهم؟ قال : بلى ، قال : يا عبدالله أرأيت سفيرك لو أنه لما سمع منهم هذا عاد إليك وقال : قم معي فإنهم قد اقترحوا علي مجيئك معي أليس يكون لك مخالفا؟ وتقول له : إنما أنت رسول لا مشير وآمر؟ قال : بلى ، قال : فكيف صرت تقترح على رسول رب العالمين ما لا تسوغ على اكرتك ومعامليك أن يقترحوه على رسولك إليهم؟ وكيف أردت من رسول رب العالمين أن يستذم على ربه (١) بأن يأمر عليه وينهى وأنت لا تسوغ مثل هذا على رسولك إلى اكرتك وقوامك؟ هذه حجة قاطعة لابطال جميع ما ذكرته في كل ما اقترحته يا عبدالله.
وأما قولك يا عبدالله : أويكون لك بيت من زخرف وهو الذهب أما بلغك أن لعظيم مصر (٢) بيوتا من زخرف؟ قال : بلى ، قال : أفصار بذلك نبيا؟ قال : لا ، قال : فكذلك لا توجب لمحمد لو كانت له نبوة (٣) ومحمد لا يغتنم جهلك بحجج الله.
وأما قولك يا عبدالله : أو ترقى في السماء ، ثم قلت : ولن نؤمن لرقيك حتى تنزل علينا كتابا نقرؤه ، يا عبدالله الصعود إلى السماء أصعب من النزول عنها ، وإذا
____________________
(١) في التفسير : أن يستقدم ( يتقدم خ ل ) إلى ربه.
(٢) في السير : لعزيز ( لعظيم خ ل ) مصر.
(٣) في الاحتجاج : فكذلك لا يوجب لمحمد نبوة لو كان له بيوت.