يكون هذا الانشاء الخاص داعيا إلا بوجوده العلمي الذي لا يعقل الدعوة منه إلاّ في موطن النفس ، لا بوجوده الواقعي الغير الواصل.
وكما لا يعقل دعوة الآمر بوجوده الواقعي كذلك لا يعقل دعوته إلى أمر غير حاضر في أفق النفس حتى يتحقق منه الدعوة إليه في موطن الدعوة ، وفي محل انبعاث الشوق إليه.
وهكذا بالاضافة إلى متعلق فعل المكلف كالماء والخمر والنجس ، فان حضور هذه المتعلقات ـ أيضا في البعث إلى الشرب ، أو الزجر عنه في فعلية الباعثية والزاجرية ـ لازم عقلا.
وهكذا الأمر بالاضافة الى حركة العضلات بالقبض والبسط نحو موضوع خارجي ، فانه لا يتحرك العضلات نحو هذا الموضوع ، دون غيره جزافا ، بل بسبب انطباق ذلك المتعلق الكلي على الجزئي في وجدان العقل لا في الخارج.
فانتهاء أمر دعوة البعث والزجر إلى ما تحرك نحوه العضلات قبضا وبسطا خارجا يقتضي حضور نفس البعث والزجر ومتعلقهما ، وما يضاف إليه المتعلق عنوانا ومعنونا (١) في وجدان العقل ، بحيث لو اختلّت إحدى هذه المقدمات لم يعقل الدعوة ، فلا يعقل جعل الداعي بالفعل.
وهذا هو السر في اشتراط التكليف بالقدرة أيضا ، فان نسبة القدرة إلى الارادة نسبة النقص إلى الكمال ، والقوة إلى الفعل ، والامكان إلى الوجوب.
فاذا لم يكن الشيء مقدورا لم يخرج الفعل من حد القوة إلى الفعل بالارادة حتى يعقل جعل الداعي المحصّل للارادة.
__________________
(١) كشرب الخمر مثلا ، فان الزجر تعلق بالشرب المضاف إلى الخمر ، فلا بد من علم المكلف به من حيث العنوان ، وهو عنوان الخمر ، والمعنون وهو المائع الخارجي الخاص الذي يزيل العقل ، فانه لو لم يعلمه من الجهتين لم يمكن الامتثال من جهة الجهل بحقيقته أو بأصل عنوانه ، فلا يعقل الانزجار.