وقد مر مرارا (١) أن مقتضى النظر الدقيق عدم ورود ما تقدم من المحذور.
وربما يوجه (٢) ذلك بالالتزام بأمرين :
أحدهما : أمر عام بعنوان المكلف توطئة وتمهيدا لأمر آخر.
ثانيهما : تقييد ذلك الأمر بما إذا التفت المكلف إلى جزئيته بمقتضى الأمر الأول ، فيكون ما أتى به الناسي مطابقا لذلك الأمر العام ، بعد تقييده بما لا جزئية له إلا في حق الملتفت.
وفيه أن الأمر الأول : إن كان بداع البعث والتحريك الذي هو الحكم الحقيقي المقتضي للامتثال ، فلا محالة يكون منبعثا عن المصلحة القائمة بذوات الأجزاء في حق المكلف بعنوانه ، فكيف يقيد بالالتفات إلى جزئية بعض أجزائه في حق الملتفت الى جزئيته؟
وإن كان لابداع البعث الحقيقي ، فهو غير منبعث عن مصلحة الفعل ، ولا هو مناط الامتثال ، ليكون موافقته امتثالا من الناسي ؛ فإن الانشاء بداع التوطئة بنفسه مقدمة لأمر آخر ، لا يطلب منه إلاّ التوطئة لفعل الأمر ، من دون مساس له ببعث المأمور.
ويمكن أن يقال : إن الأمر الأول بداع البعث حقيقة ، وهو منبعث عن مصلحة الفعل المركب من الأجزاء ، من دون دخل للالتفات بكون الفعل ذا مصلحة ، بل الالتفات إلى الجزئية بهذا البعث دخيل في ترتب المصلحة على الفعل ، لا في اقتضائه لها ، غاية الأمر : أن القيد سنخ قيد لا يجب تحصيله كما مر (٣) نظيره سابقا ، فيشك حينئذ في شمول ذلك البعث العام بالاضافة إلى المنسي في حق الناسي ، فتدبر.
__________________
(١) منها في مبحث حجية القطع التعليقة ٢٧.
(٢) هذا التوجيه موجود في الكفاية / ٣٦٨ ، وفي التعليقة على الفرائد / ١٥٧ ـ ١٥٨.
(٣) في هذه التعليقة.