مقدميا.
وأيضا ليس تفاوت الواجب النفسي مع الغيري أن الغرض من الأول مطلوب ومحبوب بذاته ، وأن الغرض من الثاني التوصل إلى ذلك المحبوب الذاتي ، فانا قد بينا في (١) مباحث الألفاظ أن النفسي بهذا المعنى منحصر في معرفة الله تعالى ، وإلا فما عداه من الواجبات يكون أغراضها مقدمة لغرض أقصى إلى أن ينتهي إلى الغاية الحقيقية وهي المعرفة.
وكذا ليس ملاك النفسية كون الواجب حسنا بنفسه ، فان الحسن بذاته لا لغاية مترتبة على ذاته أيضا منحصر في المعرفة ، ولا لذاته يوجب انتفاء الفارق بين النفسي والغيري ، لأنها جميعا حسنة بالتبع.
بل الحق في الفرق أن ما وجب على المكلف لا لواجب آخر عليه فهو واجب نفسي ، وما وجب لواجب آخر عليه فهو واجب غيري ، فالصلاة وإن كانت لغرض ، إلا أنها واجبة لا لواجب آخر ، حيث لا يجب الغرض ، وشرائط الصلاة واجبة لوجوب الصلاة.
ولذا قلنا : إنه لو أمر زيدا بشراء اللحم ، فهو واجب نفسي ، وان كان الغرض من شرائه طبخه ثم أكله ، بل ربما يكون الطبخ واجبا على عمرو.
وعليه ، فلا مانع من أن يكون الفحص واجبا نفسيا أي واجبا لا لواجب آخر عليه ، فان الغرض من الفحص هو وصول التكليف المصحح لباعثيّته.
فالغرض منه مرتبط بالغرض من الايجاب ، لا بالغرض من الواجب ، حتى يكون الفحص مقدمة وجودية لترتب الغرض من الواجب الواقعي.
فهو من حيث إنه واجب لا لواجب آخر عليه ، لعدم ترشح وجوبه من وجوبه واجب نفسي.
__________________
(١) نهاية الدراية : ٢ / التعليقة : ٤٦.