ولا متقوقعين في بروج عالية الشأن السلاطين مع شعوبهم ،ولم يكونوا يحتجبون عنهم إلاّ أن تحجبهم السلطة الحاكمة بسجن او نفي ، وهذا ما نعرفه من خلال العدد الكبير من الرواة والمحدثين عن كلّ واحد من الائمة الاحد عشر ، ومن خلال ما نقل من المكاتبات التي كانت تحصل بين الإمام ومعاصريه ، وما كان الإمام يقوم به من أسفار من ناحية ، وما كان يبثّه من وكلاء في مختلف انحاء العالم الاسلامي من ناحية اخرى ، وما كان قد اعتاده الشيعة من تفقّد أئمتهم وزيارتهم في المدينة المنورة عندما يؤمون الديار المقدّسة من كلّ مكان لأداء فريضة الحج (١) ، كلّ ذلك يفرض تفاعلاً مستمراً بدرجة واضحة بين الامام وقواعده الممتدة في أرجاء العالم الإسلامي بمختلف طبقاتها من العلماء وغيرهم.
و ـ إنّ الخلافة المعاصرة للأئمّة عليهمالسلام كانت تنظر إليهم وإلى زعامتهم الروحية والإمامية بوصفها مصدر خطر كبير على كيانها ومقدّراتها ، وعلى هذا الأساس بذلت كلّ جهودها في سبيل تفتيت هذه الزعامة ، وتحملت في سبيل ذلك كثيراً من السلبيات ، وظهرت أحياناً بمظاهر القسوة والطغيان حينما اضطرها تأمين مواقعها إلى ذلك ، وكانت حملات الاعتقال والمطاردة مستمرة للأئمة (٢) أنفسهم على الرغم مما يخلّفه ذلك من شعور بالألم أو الاشمئزاز عند المسلمين وللناس الموالين على اختلاف درجاتهم.
__________________
(١) وقد أوصى الأئمة بذلك أتباعهم كما هو لسان الروايات الكثيرة.
راجع : أصول الكافي ١ : ٣٢٢ / كتاب الحجة ـ باب ٢ « إنّ الواجب على الناس بعدما يقضون مناسكهم أن يأتوا الإمام فيسألونه عن معالم دينهم ، ويعلمونه ولا يتهم ومودتهم له ».
(٢) راجع في تاريخ الائمة عليهمالسلام ، وتعرّضهم للأضطهاد والمطاردة والسجن والقتل أحياناً :
أ ـ الفصول المهمة لابن الصباغ المالكي.
ب ـ مقاتل الطالبين لابي الفرج الأصفهاني.
جـ ـ الإرشاد للشيخ المفيد.