فأراد الله أن يعرفهم أنهم قد أخطؤوا في ظنونهم واعتقاداتهم ، فخلق آدم وعلمه الاسماء كلها ثم عرضها عليهم فعجزوا عن معرفتها ، فأمر آدم أن ينبئهم بها وعرفهم فضله في العلم عليهم.
ثم أخرج من صلب آدم ذرية (١) منهم الانبياء والرسل والخيار من عبادالله أفضلهم محمد ثم آل محمد ، ومن الخيار الفاضلين منهم أصحاب محمد وخيار امة محمد ، وعرف الملائكة بذلك أنهم أفضل من الملائكة إذا احتملوا ما حملوه من الاثقال (٢) وقاسوا ماهم فيه من تعرض أعوان الشياطين ، (٣) ومجاهدة النفوس واحتمال أذى ثقل العيال والاجتهاد في طلب الحلال ومعاناة مخاطرة الخوف من الاعداء (٤) من لصوص مخوفين ، ومن سلاطين جورة قاهرين ، وصعوبة في المسالك في المضائق والمخائق والمخاوف والاجزاع والجبال والتلال لتحصيل أقوات الانفس والعيال من الطيب الحلال ، عرفهم الله عزوجل أن خيار المؤمنين يحتملون هذه البلايا ويتخلصون منها ، ويتحاربون الشياطين ويهزمونهم (٥) ويجاهدون أنفسهم بدفعها عن شهواتها ، ويغلبونها مع ما ركب فيه من شهوة الفحولة وحب اللباس والطعام ، والعز والرئاسة والفخر والخيلاء ، ومقاساة العناء والبلاء من إبليس لعنه الله وعفاريته ، و خواطرهم وإغوائهم واستهوائهم ، ودفع ما يكيدونه (٦) من ألم الصبر على سماع الطعن من أعداء الله ، وسماع الملاهي والشتم لاولياء الله ، ومع ما يقاسونه في أسفارهم لطلب أقواتهم ، والهرب من أعداء دينهم ، أوالطلب لما يألمون معاملته (٧) من مخالفيهم في دينهم ، قال الله عزوجل : يا ملائكتي وأنتم من جميع ذلك بمعزل : لا شهوات الفحولة تزعجكم ، (٨) ولا
ـــــــــــــــ
(١) في نسخة : ثم أخرج من صلب آدم ذريته.
(٢) « : إذا احتملوا ما حملوا من الاثقال.
(٣) في الاحتجاج : وقاسوا ماهم فيه بعرض يعرض من أعوان الشياطين.
(٤) في نسخة : ومعاناة مقامات الخوف من الاعداء.
(٥) في نسخة : ويحاربون الشياطين ويعرفونهم ، وفى النسخة المخطوطة ويحزمونهم بالحاء ولعله ـ لولم يكن مصحفا ـ من حزم الفرس : شد حزامه ، والحزام : مايشد به وسط الدابة.
(٦) في نسخة وفى الاحتجاج : ما يكابدونه أى ما يقاسونه ويتحملون من المشاق.
(٧) في نسخة وفى الاحتجاج : لمن يأملون معاملته. وفى نسخة : معاملتهم.
(٨) زعجه : أقلقه وقلعه من مكانه.