اخرج من الجنة لا على وجه العقوبة ، بل لان المصلحة قد تغيرت بتناوله من الشجرة فاقتضت الحكمة إهباطه إلى الارض وابتلاءه والتكليف بالمشقة ، وسلبه ما ألبسه من ثياب الجنة لان إنعامه بذلك كان على وجه التفضل والامتنان ، فله أن يمنع ذلك تشديدا للبلوى والامتحان ، كما له أن يفقر بعد الاغناء ويميت بعد الاحياء ويسقم بعد الصحة « وقلنا اهبطوا » الخطاب لآدم وحواء وإبليس وإن كان إبليس قد اخرج قبل ذلك لانهم قد اجتمعوا في الهبوط وإن كانت أو قاتهم متفرقة ، وقيل : أراد آدم وحواء والحية ، وقيل : أراد آدم وحواء وذريتهما ، وقيل : خاطب الاثنين خطاب الجمع « بعضكم لبعض عدو » يعني آدم وذريته ، وإبليس وذريته « مستقر » أي مقر ومقام وثبوت « ومتاع » أي استمتاع « إلى حين » أي إلى الموت أو إلى القيامة « فتلقى » أي قبل وأخذ « من ربه كلمات » وأغنى قوله : « فتلقى » عن أن يقول : فرغب إلى الله بهن ، أو سأله بحقهن لان التلقي يفيد ذلك واختلف في الكلمات فقيل : هي قوله : « ربنا ظلمنا أنفسنا » الآية ، وقيل : هي قوله : « اللهم لا إله الا أنت سبحانك وبحمدك ، رب إني ظلمت نفسي فاغفرلي إنك خير الغافرين اللهم لا إله إلا أنت سبحانك وبحمدك رب إني ظلمت نفسي فتب علي إنك أنت التواب الرحيم » وهو المروي عن الباقر (ع) ، وقيل ، بل هي « سبحان الله والحمدلله ولا إله إلا الله والله أكبر » وقيل ـ وهي رواية تختص بأهل البيت عليهمالسلام ـ : إن آدم رأى مكتوبا على العرش أسماء مكرمة معظمة ، فسأل عنها فقيل له : هذه أسماء أجلة الخلق عندالله منزلة ، والاسماء : محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين عليهمالسلام فتوسل آدم إلى ربه بهم في قبول توبته ورفع منزلته « فتاب عليه » أي تاب آدم فتاب الله عليه ، أي قبل توبته ، و قيل : أي وفقه للتوبة وهداه إليها « إنه هو التواب » أي كثير القبول للتوبة ، وإنما قال : « فتاب عليه » ولم يقل : « عليهما » لانه اختصرو حذف للايجازو التغليب. وقال الحسن لم يخلق الله آدم إلا للارض ، (١) ولولم يعص لاخرجه إلى الارض على غير تلك الحال. وقال غيره : يجوز أن يكون خلقه للارض إن عصى ، ولغيرها إن لم يعص وهو الاقوى
ـــــــــــــــ
(١) يدل على ذلك قوله تعالى : وإذ قال ربك للملائكة انى جاعل في الارض خليفة وعلى الثانى قوله تعالى : فلا يخرجنكما من الجنة فتشقى.